العالم يتغيّر..
لم تكن هذه الحقيقة بديهية و ملموسة بقدر ما تبدو عليه اليوم. افتح النافذة بجوارك و تأمل أقرب شارع إليك. ربما كانت أقرب نافذة إليك، تلك التي تطلّ من شاشة الكمبيوتر، نافذة Firefox مثلا، أو Chrome أو أي متصفح آخر تستعمله، لأنّ النوافذ اليوم باتت تحمل أكثر من معنى، كغيرها من المصطلحات الأخرى في هذا الزمن الالكترونيّ.
العالم يتغيّر، و هو حتما لم يعد ذلك العالم الذي لا يزال يتعامل باندهاش مع الكتابة. لقد تجاوز الانسان بالفعل الأقراص الطينيّة التي كان يستعملها في العراق، و أوراق البردى، و رقائق الجلد، بل لعلّنا نشهد تجاوز العالم للورق كوسيلة تواصل. لقد انتهى زمن الرسائل الورقيّة بالفعل، و بات التعامل أساسا عبر الشرائح الالكترونية.
قليلة هي الشعوب التي أدركت هذه الحقيقة بالفعل. قليلة هي الشعوب التي توصلت إلى حقيقة أن هذا عصر ما بعد الكتابة. إنه عصر البرمجة! و حينما نتحدث عن "عصر البرمجة" فإننا حتما لا نعني بذلك البرمجة كمجال اختصاص يمارسه بعض الشبان المهووسين أو بعض المهندسين ذوي الخبرات المريعة التي يحسبها الآخرون ضربا من السحر. إننا نتحدث هنا عن البرمجة كمهارة شعبية يمكن أن يمارسها الجميع مثلما يمارسون مهارة الكتابة و الحساب. هل يبدو هذا مفرطا في الخيال؟ بعض الدول بدأت خطواتها الأولى في هذا الاتجاه، و في الولايات المتّحدة الأمريكية، ظهرت إحدى أكبر الحملات الشعبية لتعميم مهارة البرمجة، كان ذلك من خلال موقع Code.org
ماهي Code.org؟
هي منظمة غير ربحية، و موقع ويب بذات الإسم أسسه الأخوان عليّ و هادي بارتوفي (و هما من أصل إيراني كما لاحظتم) بهدف تشجيع الناس و خصوصا طلبة المدارس في أمريكا على تعلم البرمجة. ظهر الموقع على شبكة الانترنت في جانفي (كانون الثاني) 2013، و كانت مهمّته الأولى حينئذ، تكوين قاعدة بيانات تضم كل المدراس و الهيئات و الفصول التي تقدم دروسا في البرمجة في كامل أنحاء الولايات المتحدة. و قد رافق هذا العمل مساندة بعض المواقع الاعلامية الالكترونية المتخصصة الشهيرة مثل تاكرانش (TechCrunch) و غيرها.
و في فيفري (شباط) من نفس العام، قدّم الموقع شريط فيديو قصير يظهر فيه بعض عمالقة وادي السيلكون كمارك زوكربارغ (مؤسس فايسبوك) و بيل غايتس (مؤسس مايكروسوفت) و جاك دورسي (مؤسس تويتر) و غيرهم من المبرمجين و باعثي المشاريع في عالم تكنولوجيا المعلومات. الفيديو قصير و لطيف، و يحمل معنى بسيطا : البرمجة ليست ضربا من السحر، تعال و جرّب تعلّمها لأنها لغة العصر. و قد لاقى الفيديو رواجا مذهلا في وقت قياسيّ، و تم تناقله في وسائل الإعلام الأمريكية حتى اعتبرته TechCrunch أحدث صرعات الشبكة الاجتماعية.
ساعة من البرمجة
الخطوة التالية، كانت حملة "ساعة من البرمجة"، و قد تزامنت مع الأسبوع الوطني لعلوم الكمبيوتر في أمريكا، أي بين 9 ديسمبر (كانون) و 15 ديسمبر (كانون) من السنة الماضية. و كان هدف الحملة، اجتذاب طلبة المدارس لمتابعة بعض الدروس البسيطة في البرمجة على الموقع، و المهيّأة في قالب ألعاب تحدّ لا يحتاج معها الطالب إلى أية معرفة مسبقة بعالم البرمجة.
أعلن عن الحملة قبل شهرين من موعدها، و قد ساندتها شخصيات معروفة، و كان أبرزها الرئيس الأمريكيّ باراك أوباما الذي قال في تسجيل فيديو محمّسا الامريكيين إلى التفاعل مع الحملة : "لا تكتف بتنزيل ألعاب الفيديو، اصنع واحدة!"
و قد أعلن موقع Code.org فيما بعد أن أكثر من 20 مليون شخص شارك في الحملة، و أنّ ما كتب خلال "ساعة من البرمجة" بلغ نحو 600 مليون سطر من الكود!
اليوم تستعدّ الحملة للانطلاق في بريطانيا، احتفالا بمرور ربع قرن على بداية الشبكة العنكبوتية العالمية (WWW)، بذات الدعم و ذات الأهداف، و على الموقع نفسه.
البرمجة سهلة!
يحاول الموقع أن يتجاوز اللغة الانكليزية و أن يقدّم مادّته بمختلف اللغات العالمية. لكن يبدو أن المشروع لا يزال في بدايته، فهو فقط يترجم بعض العبارات الواردة بالموقع، دون أن يترجم التطبيقات/الدروس التي يستخدمها فعليّا زوّار الموقع. ربما لذلك كان نشاطه الأول خارج الولايات المتحدة مرتكزا أساسا على بريطانيا.
لكنّ الدروس متوفرة للناطقين بالانكليزية بالفعل، و هي متنوّعة و تحاول أن تتوجّه لمختلف الفئات العمرية، لتعويدهم على حلّ الألغاز و المسائل عبر تكوين خوارزميات بسيطة. تخيل مثلا لعبة الطيور الغاضبة الشهيرة (Angry birds) تتحول إلى شبكة أحجية (Puzzle) حيث على المستخدم أن يكتب سلسلة من التعليمات تجعل الطّير قادرا على بلوغ مكان الخنزير. و التعليمات طبعا بسيطة نحو "تقدم إلى الأمام" و "استدر يمينا" و "استدر شمالا" الخ.. سلسلة التعليمات التي يكتبها المستخدم تمثل الخوارزمية التي ستنفّذها التطبيقة، و هو أمر أقرب إلى اللعب المسليّ منه إلى البرمجة، لكن على يمين الشاشة ستجد زرّا يسمح بعرض الأوامر في شكل أسطر كود تعوّد المتعلّم على تقبل الأكواد، و على فهمها.
يعتمد الموقع في الواقع على لغة برمجة تصويرية تسمّى Blockly تقوم أساسا على تقديم مختلف عبارات البرمجة الأساسية مثل عبارة "if" أو "repeat" في شكل قوالب يركب بعضها ببعض تماما كالأحجيات المصوّرة (Puzzle)، و هو ما يجعل الأخطاء "النحوية" مستحيلة، و يجعل المستخدم يركّز أساسا على تكوين الخوازمية اللازمة لحلّ المسألة المطلوبة.
لكنّ الموقع لا يكتفي بذلك، و يقدم بالفعل دروسا مبسطة في لغات برمجة معروفة، مثل Python و javascript، و غيرهما. كما أن دعم الشركات الكبرى للمبادرة أوجد دروسا لصنع تطبيقات لأجهزة الهواتف الذكية و الويب. التطبيقات ليست معقدة أو ضخمة، و لكنّها تسمح للمستخدم أن يشعر أن تعلم البرمجة يمكّنه من صنع شيء حقيقيّ بالفعل. شيء يمكنه استعماله فيما بعد. و هذا الشعور هو الذي أولد موجة كبيرة من الحماس في أوساط الأطفال الذين تلقّوا تلك الدروس خصوصا. و هو الهدف الرئيسيّ من وراء المبادرة.
يعتقد مؤسسا الموقع، هادي و عليّ بارتوفي، أنّ الولايات المتحدة الأمريكية تعاني نقصا كبيرا في نسبة مهندسي البرمجيّات. و تفيد الأرقام التي يقدّمها الموقع، أنه في الوقت الذي لا يتجاوز فيه عدد الطلبة المتخرجين في مجال علوم الكمبيوتر 3% من مجموع الطلبة المتخرجين، يتنامى حجم عروض الشغل في البرمجة إلى ضعف حجم المعدل الوطنيّ لعروض الشغل. لذلك يحاول الرجلان من خلال هذه المبادرة أساسا، تعويد التلاميذ في المدارس الابتدائية و الثانوية على فكرة البرمجة، و تقديمها في صورة أقل نمطية من تلك التي تقدمها شاشات التلفاز، و أكثر مرحا. لكنّ الأمر لا يتوقف على ذلك.
إن المشكلة الأساسية أن التقنية اقتحمت كلّ المهن بالفعل، و باتت مختلف الميادين في حاجة إلى تطويع تكنولوجيا الكمبيوتر. الطبيب اليوم في حاجة إلى رسوم بيانية ديناميكية و حيّة للأنشطة الحيوية في جسم الإنسان، و المحامي في حاجة إلى متابعة مختلف التشريعات الطارئة المتجددة يوما بعد يوم و المدرّس في حاجة إلى مراقبة مستمرّة لمردود تلاميذه يوما بعد يوم، و هي في أحيان كثيرة حاجيات بسيطة يمكن للانسان تحقيقها من دون الحاجة إلى شخص متخصص في البرمجة لإنجازها.
حملة Code.org مهمّة في المشهد الأمريكيّ، لأنها تدلّ على شعور الأمريكيين بخطر ما تجاه ما يحدث في عالم تكنولوجيا المعلومات و ما تطرحه من تحديات. و حينما يقدّم الموقع مقارنة بين حال علوم الكمبيوتر في الصين و الولايات المتحدة (في الصين يتعلم كل الطلبة أساسيّات البرمجة مهما كان اختصاصهم) فإنك تعلم أن المسألة تأخذ بعدا لا سياسيا فحسب بل استراتيجيا أيضا. كما أن للمسألة الاقتصادية حضورها البارز هنا. فالتركيز على قيمة سوق الشغل في عالم تكنولوجيا المعلومات، خصوصا من قبل النواب الأمريكيين الذين ساندوا الحملة، يدل على قلقهم بخصوص تنامي البحث عن مهندسي الكمبيوتر من خارج أمريكا. و هي مسألة يمكن طرحها في دول أوروبا الغربية أيضا. في المقابل تقدم دول مثل الهند و الصين، هذا النوع من اليد العاملة.
ماذا عنّا نحن؟ بعض الدول العربية تقدّم بالفعل عددا مهمّا من مهندسي الكمبيوتر إلى أوروبا الغربية، بل إن بعض الشركات الكبيرة باتت تفضل فتح فروع خارجية لها حتى تتفادى مشاكل الهجرة و تظفر في الآن ذاته بيد عاملة ذات كفاءة. من المهمّ القول هنا إن هذه الحملة تنذر بتقلص نسبة البحث عن هؤلاء. لكن من يعلم؟
لم تكن هذه الحقيقة بديهية و ملموسة بقدر ما تبدو عليه اليوم. افتح النافذة بجوارك و تأمل أقرب شارع إليك. ربما كانت أقرب نافذة إليك، تلك التي تطلّ من شاشة الكمبيوتر، نافذة Firefox مثلا، أو Chrome أو أي متصفح آخر تستعمله، لأنّ النوافذ اليوم باتت تحمل أكثر من معنى، كغيرها من المصطلحات الأخرى في هذا الزمن الالكترونيّ.
العالم يتغيّر، و هو حتما لم يعد ذلك العالم الذي لا يزال يتعامل باندهاش مع الكتابة. لقد تجاوز الانسان بالفعل الأقراص الطينيّة التي كان يستعملها في العراق، و أوراق البردى، و رقائق الجلد، بل لعلّنا نشهد تجاوز العالم للورق كوسيلة تواصل. لقد انتهى زمن الرسائل الورقيّة بالفعل، و بات التعامل أساسا عبر الشرائح الالكترونية.
قليلة هي الشعوب التي أدركت هذه الحقيقة بالفعل. قليلة هي الشعوب التي توصلت إلى حقيقة أن هذا عصر ما بعد الكتابة. إنه عصر البرمجة! و حينما نتحدث عن "عصر البرمجة" فإننا حتما لا نعني بذلك البرمجة كمجال اختصاص يمارسه بعض الشبان المهووسين أو بعض المهندسين ذوي الخبرات المريعة التي يحسبها الآخرون ضربا من السحر. إننا نتحدث هنا عن البرمجة كمهارة شعبية يمكن أن يمارسها الجميع مثلما يمارسون مهارة الكتابة و الحساب. هل يبدو هذا مفرطا في الخيال؟ بعض الدول بدأت خطواتها الأولى في هذا الاتجاه، و في الولايات المتّحدة الأمريكية، ظهرت إحدى أكبر الحملات الشعبية لتعميم مهارة البرمجة، كان ذلك من خلال موقع Code.org
ماهي Code.org؟
هي منظمة غير ربحية، و موقع ويب بذات الإسم أسسه الأخوان عليّ و هادي بارتوفي (و هما من أصل إيراني كما لاحظتم) بهدف تشجيع الناس و خصوصا طلبة المدارس في أمريكا على تعلم البرمجة. ظهر الموقع على شبكة الانترنت في جانفي (كانون الثاني) 2013، و كانت مهمّته الأولى حينئذ، تكوين قاعدة بيانات تضم كل المدراس و الهيئات و الفصول التي تقدم دروسا في البرمجة في كامل أنحاء الولايات المتحدة. و قد رافق هذا العمل مساندة بعض المواقع الاعلامية الالكترونية المتخصصة الشهيرة مثل تاكرانش (TechCrunch) و غيرها.
و في فيفري (شباط) من نفس العام، قدّم الموقع شريط فيديو قصير يظهر فيه بعض عمالقة وادي السيلكون كمارك زوكربارغ (مؤسس فايسبوك) و بيل غايتس (مؤسس مايكروسوفت) و جاك دورسي (مؤسس تويتر) و غيرهم من المبرمجين و باعثي المشاريع في عالم تكنولوجيا المعلومات. الفيديو قصير و لطيف، و يحمل معنى بسيطا : البرمجة ليست ضربا من السحر، تعال و جرّب تعلّمها لأنها لغة العصر. و قد لاقى الفيديو رواجا مذهلا في وقت قياسيّ، و تم تناقله في وسائل الإعلام الأمريكية حتى اعتبرته TechCrunch أحدث صرعات الشبكة الاجتماعية.
ساعة من البرمجة
الخطوة التالية، كانت حملة "ساعة من البرمجة"، و قد تزامنت مع الأسبوع الوطني لعلوم الكمبيوتر في أمريكا، أي بين 9 ديسمبر (كانون) و 15 ديسمبر (كانون) من السنة الماضية. و كان هدف الحملة، اجتذاب طلبة المدارس لمتابعة بعض الدروس البسيطة في البرمجة على الموقع، و المهيّأة في قالب ألعاب تحدّ لا يحتاج معها الطالب إلى أية معرفة مسبقة بعالم البرمجة.
أعلن عن الحملة قبل شهرين من موعدها، و قد ساندتها شخصيات معروفة، و كان أبرزها الرئيس الأمريكيّ باراك أوباما الذي قال في تسجيل فيديو محمّسا الامريكيين إلى التفاعل مع الحملة : "لا تكتف بتنزيل ألعاب الفيديو، اصنع واحدة!"
و قد أعلن موقع Code.org فيما بعد أن أكثر من 20 مليون شخص شارك في الحملة، و أنّ ما كتب خلال "ساعة من البرمجة" بلغ نحو 600 مليون سطر من الكود!
اليوم تستعدّ الحملة للانطلاق في بريطانيا، احتفالا بمرور ربع قرن على بداية الشبكة العنكبوتية العالمية (WWW)، بذات الدعم و ذات الأهداف، و على الموقع نفسه.
البرمجة سهلة!
يحاول الموقع أن يتجاوز اللغة الانكليزية و أن يقدّم مادّته بمختلف اللغات العالمية. لكن يبدو أن المشروع لا يزال في بدايته، فهو فقط يترجم بعض العبارات الواردة بالموقع، دون أن يترجم التطبيقات/الدروس التي يستخدمها فعليّا زوّار الموقع. ربما لذلك كان نشاطه الأول خارج الولايات المتحدة مرتكزا أساسا على بريطانيا.
لكنّ الدروس متوفرة للناطقين بالانكليزية بالفعل، و هي متنوّعة و تحاول أن تتوجّه لمختلف الفئات العمرية، لتعويدهم على حلّ الألغاز و المسائل عبر تكوين خوارزميات بسيطة. تخيل مثلا لعبة الطيور الغاضبة الشهيرة (Angry birds) تتحول إلى شبكة أحجية (Puzzle) حيث على المستخدم أن يكتب سلسلة من التعليمات تجعل الطّير قادرا على بلوغ مكان الخنزير. و التعليمات طبعا بسيطة نحو "تقدم إلى الأمام" و "استدر يمينا" و "استدر شمالا" الخ.. سلسلة التعليمات التي يكتبها المستخدم تمثل الخوارزمية التي ستنفّذها التطبيقة، و هو أمر أقرب إلى اللعب المسليّ منه إلى البرمجة، لكن على يمين الشاشة ستجد زرّا يسمح بعرض الأوامر في شكل أسطر كود تعوّد المتعلّم على تقبل الأكواد، و على فهمها.
يعتمد الموقع في الواقع على لغة برمجة تصويرية تسمّى Blockly تقوم أساسا على تقديم مختلف عبارات البرمجة الأساسية مثل عبارة "if" أو "repeat" في شكل قوالب يركب بعضها ببعض تماما كالأحجيات المصوّرة (Puzzle)، و هو ما يجعل الأخطاء "النحوية" مستحيلة، و يجعل المستخدم يركّز أساسا على تكوين الخوازمية اللازمة لحلّ المسألة المطلوبة.
لكنّ الموقع لا يكتفي بذلك، و يقدم بالفعل دروسا مبسطة في لغات برمجة معروفة، مثل Python و javascript، و غيرهما. كما أن دعم الشركات الكبرى للمبادرة أوجد دروسا لصنع تطبيقات لأجهزة الهواتف الذكية و الويب. التطبيقات ليست معقدة أو ضخمة، و لكنّها تسمح للمستخدم أن يشعر أن تعلم البرمجة يمكّنه من صنع شيء حقيقيّ بالفعل. شيء يمكنه استعماله فيما بعد. و هذا الشعور هو الذي أولد موجة كبيرة من الحماس في أوساط الأطفال الذين تلقّوا تلك الدروس خصوصا. و هو الهدف الرئيسيّ من وراء المبادرة.
يعتقد مؤسسا الموقع، هادي و عليّ بارتوفي، أنّ الولايات المتحدة الأمريكية تعاني نقصا كبيرا في نسبة مهندسي البرمجيّات. و تفيد الأرقام التي يقدّمها الموقع، أنه في الوقت الذي لا يتجاوز فيه عدد الطلبة المتخرجين في مجال علوم الكمبيوتر 3% من مجموع الطلبة المتخرجين، يتنامى حجم عروض الشغل في البرمجة إلى ضعف حجم المعدل الوطنيّ لعروض الشغل. لذلك يحاول الرجلان من خلال هذه المبادرة أساسا، تعويد التلاميذ في المدارس الابتدائية و الثانوية على فكرة البرمجة، و تقديمها في صورة أقل نمطية من تلك التي تقدمها شاشات التلفاز، و أكثر مرحا. لكنّ الأمر لا يتوقف على ذلك.
إن المشكلة الأساسية أن التقنية اقتحمت كلّ المهن بالفعل، و باتت مختلف الميادين في حاجة إلى تطويع تكنولوجيا الكمبيوتر. الطبيب اليوم في حاجة إلى رسوم بيانية ديناميكية و حيّة للأنشطة الحيوية في جسم الإنسان، و المحامي في حاجة إلى متابعة مختلف التشريعات الطارئة المتجددة يوما بعد يوم و المدرّس في حاجة إلى مراقبة مستمرّة لمردود تلاميذه يوما بعد يوم، و هي في أحيان كثيرة حاجيات بسيطة يمكن للانسان تحقيقها من دون الحاجة إلى شخص متخصص في البرمجة لإنجازها.
حملة Code.org مهمّة في المشهد الأمريكيّ، لأنها تدلّ على شعور الأمريكيين بخطر ما تجاه ما يحدث في عالم تكنولوجيا المعلومات و ما تطرحه من تحديات. و حينما يقدّم الموقع مقارنة بين حال علوم الكمبيوتر في الصين و الولايات المتحدة (في الصين يتعلم كل الطلبة أساسيّات البرمجة مهما كان اختصاصهم) فإنك تعلم أن المسألة تأخذ بعدا لا سياسيا فحسب بل استراتيجيا أيضا. كما أن للمسألة الاقتصادية حضورها البارز هنا. فالتركيز على قيمة سوق الشغل في عالم تكنولوجيا المعلومات، خصوصا من قبل النواب الأمريكيين الذين ساندوا الحملة، يدل على قلقهم بخصوص تنامي البحث عن مهندسي الكمبيوتر من خارج أمريكا. و هي مسألة يمكن طرحها في دول أوروبا الغربية أيضا. في المقابل تقدم دول مثل الهند و الصين، هذا النوع من اليد العاملة.
ماذا عنّا نحن؟ بعض الدول العربية تقدّم بالفعل عددا مهمّا من مهندسي الكمبيوتر إلى أوروبا الغربية، بل إن بعض الشركات الكبيرة باتت تفضل فتح فروع خارجية لها حتى تتفادى مشاكل الهجرة و تظفر في الآن ذاته بيد عاملة ذات كفاءة. من المهمّ القول هنا إن هذه الحملة تنذر بتقلص نسبة البحث عن هؤلاء. لكن من يعلم؟
1 comment:
لينوس العظيم ما يوافقش عالشي هذا
http://venturebeat.com/2014/06/09/linux-creator-linus-torvalds-i-do-not-believe-everybody-should-learn-to-code/
و هو راي اقرب الى الواقع (التونسي على الأقل)، بعد ما جماعة الباك يبدأ يقرأ في دروس خصوصية متاع إعلامية بش يحفظ فيهم (أي يحفظ مش حتى يعرف كيفاش) بروسيدور
saisie
حقيرة ...
Post a Comment