Sunday, November 17, 2019

عن الذي ينقص



تأوه في سخط مع تسلل خيوط الشمس الأولى عبر ستائر النافذة، وتململ متثاقلا في رحاب سريره الحديديّ، وراح يلعن في سرّه زوجته المهملة. اللعينة تفعل ذلك عمدا حتّى لا ينعم بالنوم إلى الزوال. تعرف جيّدا أنّ الشمس عدوّه الأول، منذ أن كان يعمل في ظلام الأقبية ورطوبتها. لن يعتاد على النور بعد ذلك أبدا.

طاف في أرجاء بيته الضيّق مرتين كأنه تائه. عاود شتم زوجته التي لم تترك له شيئا من القهوة قبل خروجها. العاهرة، تـُـراها الآن تروي سيرة حياتها لجارتها! لم يشرب يوما قهوته في البيت، ولكن ماذا لو خطر له أن يفعل؟ ألا يحق له ذلك؟ أين بنت الكلب لتحقق له ذلك؟ لماذا تعيش هنا إذا؟
فتح التلفاز وراح يحملق في الصور المضيئة وقد أخذته نفسه عن ما حوله... كان يشعر بضيق بالغ يخنق صدره. يعلم في قرارة نفسه أن النهوض الباكر ليس السبب الحقيقيّ، فقد اعتاد في ما مضى أن ينهض قبل نهوض الشمس. ربما هي حاجته إلى التبغ والقهوة، أو لعلّه إحساسه بضيق المكان...

لفتحه شمس صباحية فتيّة، فأعرض عنها بقلنسوته الرمادية، ولزم جانب الشارع كي يجتنبها، و يمّم وجهه شطر مقهى الحيّ.
يكره كلّ فضاء مفتوح، إذ يجهل إحداثيّاته، وعليه أن يؤمّن جهاته الأربع طوال الوقت... في أقبية السجون، كلّ الممرات ضيقة، و كل القاعات والغرف والعنابر ضيقة، النوافذ أيضا ضيقة، وكذلك العيون والنفوس.. كان يمكنه أن يسير مغمض العينين هناك. كان يشعر بالأمان كلما ضاق الفضاء وشحّ الضوء والهواء. لذلك، لم يعتد الخروج كلّما أحسّ بضيق كهذا الذي يشعر به اليوم. و ربما كان العكس صحيحا، إنّ الهواء نفسه يسبب له الضيق والانزعاج. هناك شيء آخر ينقصه، فما عساه يكون؟

ألقى ما تبقى من لفافة التبغ في الشارع، ودهسها مواصلا طريقه. ربما كان بحاجة إلى أكلة دسمة. لقد مضى وقت طويل دون أن يأكل شيئا يصلح. جسده النحيف يشي بذلك. التبغ يغني عن الأكل في أكثر الأحيان، وربما تدهورت صحته دون أن يعلم. سحقا لهذا العالم! حتى جسدك أنت بات يشعر بالوهن! إيه يا زمن الجرذان، خذلت فأحسنت الخذلان، وقد كنتُ رهبة السجون، و مرعب القضبان. ها أنذا اليوم أبحث عن قوت حتى لا أنهار كما كان زبائني يتهاوون.
خمّن أن يشتريَ لوازم غداء جيد مثخن بالخضار. سيكلفه ذلك ثروة صغيرة، ولكن لا بأس. لجسده عليه حقّ. لا يجب أن يشعر بهذا الوهن وهذا الضيق مرّة أخرى، لا يزال الوقت مبكّرا على الشيخوخة، لا يزال الوقت مبكّرا على شماتة الشامتين، سيفرح بأمهاتهم قبل أن يفعلوا.

وقف أمام أحد الباعة و تأمل بأعين مرتابة صناديقه وحركاته، فاستدار إليه البائع مرحبا، لكنه طلب شيئا من الطماطم دون أن يلطّف من حدة نظراته. لم تفته الريبة التي ارتسمت على وجه البقال، ولا الارتباك الذي تملّك يديه، لكنّه تجاهل ذلك كي لا يفوته الكيل. أبناء الزنا هؤلاء، لا يؤمن جانبهم أبدا... وحينما استلم كيسه، فتحه متأمّلا فيما استلم.
لا تشبه حتما تلك القطع البائسة التي يسلمونها إلى المساجين. تذكر كيف اعتاد رفقة أصحابه البول على الطماطم قبل رحيها وتقديمها، ثم المراهنة على من سيأكلها... ابتسم في سرّه متحسّرا على الأيام الخوالي والدعابات القديمة... في سنواته الأخيرة في العمل، لم يعد يطيق المشاكسة كثيرا، كأنه كان يفضل الاحتفاظ بطاقته لوقت الشدّة، وكثيرا ما كانت تأتي أوقات شدّة... أما اليوم، فقد باغته شعور مفاجئ بالقرف من الحبيبات الحمراء الأنيقة المقدّمة إليه، ومن يد البقال المتشققة الممدودة إليه، فرمى بالكيس أمامه وغادر في صمت.
لم يسمع تعليقا من وراء ظهره، ربما لأن البائع تعرّف عليه، وربما لأنه لم يفق من المفاجأة. وربما علّق بالفعل لكنّ سمعه خانه... هناك شيء آخر ينقصه، فما عساه يكون؟

هذا الفراغ الذي يخنقه لا علاقة له بمعدته، بل هو يملأ رأسه. كيف يملأ الفراغ رأسه؟ لا يعرف، ولكنه يصدّق الهاتف الذي بداخله. هو ليس طبيبا على كلّ حال. كانت وظيفته دوما أن يعبث بالأجساد، وأن يكِلَ للطبيب إيجاد على طبيعية لتفسير العبث خارج الأقبية. مرض قديم عاود الظهور، هبوط مفاجئ في الدورة الدموية تطلب تدخلا عاجلا، محاولة انتحار سببا تعفنا وتطلبت قطع شيء ما... لذلك لم يثق قطّ بالأطباء... لو ذهب لاستشارة أحدهم فسيقول أي شيء يضطرّه إلى شراء أدوية لا لزوم لها، بينما جسده وحده يقاوم وينتصر. إنه أدرى من الأطباء بمعجزة الجسد. هو وحده من يذهب بها إلى حدود قدراتها، أما الطبيب، فلا يملك إلا كبت طاقتها بأدويته البائسة... رأى أجسادا تقهر الزمن، و لئن كانت نادرة، فهو لم يشكّ في أن جسده إحداها. كان يبالغ في القسوة عليها حتى يبلغ منتهاها، فإن حافظت على بقائها، يشعر بزهو غريب كأنما جسده من فعل!
يتذكر كل ذلك دون أن تمرّ صورة واحدة بذهنه، كأنما يصرّ رأسه أن يحافظ على فراغه. رأسه بات ممتلئا بالفراغ. و بدا له أنه في حاجة إلى شيء من الفوضى...

تسمّر أمام مغازة في شارع جانبيّ قليلا، ثم حسم أمره و توجّه إلى رواق الكحوليّات داخل المغازة. ليذهب جسده إلى الجحيم، اللعنة على الصحة وما تفرضه من هراء. لقد مضى زمن طويل على آخر جلساته الخمرية. حينما غادر عمله، حاول الإبقاء على معارفه هناك. دعا بعضهم إلى سهرة أو سهرتين، لكن سرعانما فتر عزمه حينما لم يشعر بشيء من التجاوب. أبناء الزنا، كانوا يتهافتون عليه كبنات الهوى حينما كان نجم الأقبية، واليوم يخجل أحدهم من التردّد عليه... قالوا له في الإدارة إن اسمه المعروف لم يعد ذا نفع في زمن حقوق الإنسان وكل ذلك البراز النتن الذي جاء به المرتزقة. وهاهو اليوم يشرب وحيدا، من حين إلى حين. يحرق حنجرته بما جاد جيبه من البوخة والمرناڨ، ثم يشتم كل من عرفهم، و أمهات من عرفهم وينام...

تأمل القارورة المستكينة بين أنامله، ثم ألقى بها في السلة المعدنية، رنّ صوتها في ذهنه. فأحدث صورا فاجأته. رأى عشرات الوجوه الملتاعة الصارخة... أدبار كثيرة ألقمها زجاجا كهذه الزجاجة التي في السلة. عالج أدبارا حتّى بات يعرفها أكثر من وجوه أصحابها. أحيانا تبدو المهانة مرتسمة عليها قبل الوجوه. لذلك كان يؤمن دوما أنها الطريقة الأكثر نجاعة. بعضهم كان يعترف بمجرد أن يراه قادما لهول التجربة. بعضهم ينخرط في بكاء مرير أو يغشى عليه. أما الحمقى الذين لا يعرفون، فكان يجب أن يقدّم لهم شيئا من الحكمة... من الخلف...
عاوده القرف وهو يتأمل القارورة. وخيل إليه أنّ رائحة عنقها تصدّع أنفه، فطرح السلة أرضا واستدار مغادرا. لم تكن له رغبة حقيقية في الشرب. إنه ذاهل عن العالم أو قريب من ذلك بالفعل. هذا الاختناق الذي يحنقه يفرض على جسده استرخاء لا يطيقه. هناك شيء آخر ينقصه، فما عساه يكون؟

انتبه إلى رجل يتحسّس طريقه إلى الرواق. ضعف بصره، ولكنه يبدو مصرّا على النهل مما تبقى له من متع. لحسن الحظ أن خراب جسده قد بلغ عينيه، فلم يتعرّفه، وربما لو عرفه لحصلت فضيحة لا يحبّ لها أن تحصل. أما هو، فلم يخطئ هويته من أول نظرة. إنه يحفظ وجوه "زبائنه" واحدا واحدا، بدءا بتلك المرأة التي كانت تنقل الرسائل إلى زوجها المختبئ وجماعته، انتهاء بذلك الغلام الطريّ الذي ظنّ أنه سيغيّر العالم عبر شاشة حاسوبه.

يحفظ وجوههم و ندب أجسادهم كما يحفظ الشاعر قصائده، وكما يحفظ النحّات تضاريس منحوتاته. ويمكن بيسر وثقة أن يميّز بين ندبته وغيرها في الجسد الواحد. كم كان فخورا بذلك! إنه يقرأ الأجساد كما لا يفعل المرء مع جسده. عينه الخبيرة تعرف جيّدا مواضع القوة أو الوهن ، مواضع اللذة أو مواضع المهانة. تبوح له الأجساد بأسرارها قبل أن تبوح بأسرار أصحابها. الجسد صادق دوما، ثرثار لا يحسن التورية، لا يحسن الخداع. اِرتعاش الأنامل، تقوّس الظهر، اصطكاك الأسنان، حكاك الأذن، أرنبة الأنف، النفس الحار، والعرق البارد. حتّى سيلان الدماء يصبح نصّا بليغا... علاقته بأجساد الآخرين أكثر حميميّة من علاقته بأرواحهم.

إنه لا يملك أصدقاء تقريبا، لا يملك أحدا، أتراه يشعر بالوحدة هذا اليوم؟ أتراه يشعر أخيرا أن عزلته وقد جُرّد من عمله ستهلكه؟ أهذا سرّ الاختناق الذي يلازمه؟
سار بخطوات سريعة متلهفة إلى مقهى الحيّ. الجميع هناك يعرفونه، لذلك كان يتحاشى الجلوس إليهم. كان يفضل الإبقاء على هيبة زائفة، على أن يلمس أحقادهم. في عالم قذر كهذا، للهيبة قيمتها. لن يجرؤ متهوّر واحد أن يغدر به. سيفكرون كثيرا في أطرافهم قبل أن يفكّروا في معاداته. لكنّ الهيبة أيضا تعني أمورا أخرى...
قرأ على الوجوه نفورا واضحا. اِنزعاجا لا يحتمل تأويلين. جلس حيث يجلس رجل وحيد منعزل. من الأفضل الجلوس إلى رجل واحد، فهذا يجعل من حديثهما أكثر حميميّة. لا يجب أن ينصت المقهى كلّه إليه منذ الجلسة الأولى.
لكنّ جاره كان مذعورا. حينما استدار إليه، لم يخطئ ملامح الفزع التي حاول إخفاءها وراء شيء من اللامبالاة. ثم إنّه سارع بارتشاف قهوته المركّزة وحياه قاصدا المغادرة، فهتف فيه :"اُقعد!"
ساد الصمت بعد هتافه المفاجئ، وبدا كأن كارثة جديدة ستحدث. جلس الرجل وقد فرّ الدم من وجهه. اللعنة عليك! اللعنة عليكم جميعا! لقد كتب عليه أن لا يخاطب الناس إلا بصيغة الأمر، ونبرة البلطجة... لقد كتب عليهم أن ينزعجوا من وجوده... فلينزعجوا إذا. فليموتوا انزعاجا! إن البقر لا تفهم إلا هذه الصيغة. هؤلاء الجيف العفنة... أتدّعون الفضيلة يا كلاب؟ أنا أعرف قذاراتكم واحدا واحدا. أيها الملاعين! كونوا رجالا على الأقل! كونوا رجالا ولا تدّعوا فضائلا لا تملكونها! إنني أشعر بالغثيان من الاختلاط بأمثالكم. ما الذي أفعله في هذا المستنقع الكريه؟ 

بص جانبا ثم نهض دون أن يلقيَ بالا إلى الوجوه التي تراقبه سرّا. وغادر المكان و هو يعلم أنه (أي المكان) سيمتلئ بالتنهدات والنكات السخيفة... إن البشر لمقرفون. لا يمكن أن يفهم هذا إلا من اقترب من أجسادهم كما فعل هو طوال السنين الماضية. إنّ ما ينقصه شيء آخر فما عساه يكون؟

بلغ مسامعه صوت الآذان و هو في طريقه إلى المنزل، وخيّل إليه أنه يسمعه لأول مرة، أو هو انتبه إليه لأول مرة. ما الذي يعنيه ذلك؟ التوبة؟ و هل لمثله تقبل توبة؟ وكيف يتوب وقد أبعدوه قسرا عن عمله؟ لولا ضغوط تلك المنظمات اللقيطة التي جادت بها الثورة، لظلّ في منصبه إلى اليوم.
لكن ماذا لو أن التوبة هي ما يرومه بالفعل؟ ماذا لو أن سبيله للتخلص من الإختناق هو البكاء بين يدي ربه؟ ترى، أكلّ ما شعر به من اشمئزاز، سببه حاجته إلى التطهّر؟ إنه لم يعد يرى الصور في ذاكرته كما كان يراها... بات يميّز طعم المرارة في كل مرة. ولئن لقيَ صعوبة في الجلوس إلى أجسام تثير قرفه، فإن الله لا جسم له، وله أن يحدثه قدر ما يشاء.

سُرَّ بمنطقه فهرع إلى المسجد القريب. تذكر أن الصلاة يلزمها وضوء، فسأل عن الميضة. أشار إليه شاب مندهش أن سر يمينا. فتابع طريقه في حنق خفيّ. وعاوده الإحساس بالقرف من البشر. هنا سيجد بعض ممّن عاث في أجسادهم فسادا. لعلّ بعضهم مات كمدا أو قهرا بالفعل، ولعلّ بعضهم اشترى لمحنته ثمنا قليلا واعتزل العالم كله، بينما عاود الآخرين حنين إلى حلم السلطة. هؤلاء سيحمونه حتما، وسيمنعون عنه الأذى لو تعرّفه الآخرون...
حينما بلغ الميضة، طالعته أجساد الرجال المتهالكة على الحنفيات الشحيحة، تسارع بالتطهّر قبيل بدء الصلاة. وتذكر أنه نسيَ قواعد الوضوء، فبحث له عن مكان قرب شخص يتبعه. وجد على يساره رجلا نحيفا، خفيف اللحية ينزع جواربه، فانسلّ إلى جواره.

هذه الندبة خلف الأذن، وهذا الظفر المقتلع من منابته، ليس عمله حتما، لكنّه أعاد إلى ذهنه بعض الذكريات البعيدة... وتساءل في سرّه، أين كان الله حينما كان هذا الرجل يدعوه سائلا الرحمة؟ أين كان الله حينما كان يذكره جزعا، فيتلقى صفعة تفقده وعيه؟ أكان الله يتسلى مثله أيضا؟
لمح ضمور قدمه اليمنى وهو يقدّمها للمياه، كأنما ذبلت ولم تعد تصلح لشيء. اِنتابته موجة غثيان رهيبة، فغادر مهرولا... إن آخر ما يبحث عنه اليوم، هو حديث مع من لا يجيب. لقد أخطأ تأويل ضيقه، وما ينقصه هو شيء آخر، فما عساه يكون؟

هذه الشوارع لا تجيب. كلما قصد ركنا من أركانها، إلا وازداد اختناقا. ربما كان خيرا له لو ظل في فراشه منذ البداية. لم يطل به التجوال حتى قادته قدماه إلى داره من جديد. فبصق جانبا، وأشعل لفافة تبغ ودخل. زوجته اللعينة قد عادت أخيرا. والأفضل لها أن يكون طعامها جاهزا.
فجأة، أطلت بعباءتها الملونة النظيفة، وابتسامة مشرقة تعلو محيّاها. ماذا دهى المرأة؟ أخبرته أن الطعام جاهز وطلبت منه أن يجهز نفسه للمائدة... حينما استدارت عائدة إلى مطبخها، ارتفع ثوبها قليلا، كاشفا ساقين قويتين، فانفجر السؤال في رأسه ككشف عظيم...

أتراك تعود إلى صباك أيها الشقي؟ وإنّ لبدنك عليك حقا! هاله أنه مثله مثل "زبائنه"، لا يعرف الكثير عن جسده. متى فعل ذلك آخر مرة؟ متى التحم جسده بجسد آخر؟ لم يعد يذكر جيدا. خُـلقت أجساد الآخرين، ليكتشفها لا ليكتشف فيها جسدَه. خُلقت أجساد الآخرين ليكون إلَها عليها لا ليعبدها.

أتراه اليوم كلَّ من كل ذلك؟ أضاق به عناده واستسلم لحقيقته؟ كان أجبن من أن يجرّب، لكنّ إحساسه بالاختناق أصبح لا يطاق. وحينما عادت المرأة بطبق الطعام، أمسك بساعدها في قوة وحسم، وسألها "عندك دمّ؟"
كانت نبرته المتحرّجة تشي بمعنى سؤاله، فظلت صامته تحملق في وجهه مندهشة، حتى إذا ضغط على زندها، أطلقت ضحكة مرتبكة خجولا مندهشة، و أجابت :"لا، مازلت."
دعاها إلى غرفة النوم بلهجة من لا يمزح. لا يلومها على حيرتها، فهو نفسه لا يعرف ما الذي يفعله. إنها مسرورة ولا شكّ، هذا الارتباك الذي يعتريها يعرف مكامنه ودواعيه. لا تزال قوية، متماسكة، وإن غيرت رحلة السنين بعض ملامحها، فضحكتها تجعل المشهد جميلا في كل محطة. هذه الأثداء لم تترهّل بعد، ولا تزال تخفي بعضا من عجائبها. هل تشعرين بشيء؟ أ نبدأ الرحلة؟ ليس لي يوم كامل لأضيعه في ترويض انفعالاتك وتحضيرك.
وبسرعة وضجر، باعد ساقيها دون أن يبعد نظره عن وجهها. كان الجذل يُنحت رويدا على تفاصيل وجهها. تورد خدها، وبدا كأن حياة جديدة تدبّ فيه. أيتها اللعينة! لماذا أشعر بالضيق من كل هذا؟ الضيق اشتعل غضبا بداخله، وحينما أنّت مستزيدة، أصبح غضبه كفــّا قوية صفعت خدها بكل عنف. صرخت في ألم وقد أفاقت من عالمها، فازداد هياجه، وأردفها بصفعة أعنف أطلقت صرخاتها في المكان. رجته أن يتوقف، لكنها كأنما كانت تستزيده، فأمسك بها من شعرها الثائر كما تمسك الذبيحة، ولطمها لتعانق جدار الغرفة الضيقة. ظنّ أنها ستظل هناك، لكنها سرعان ما نهضت لتهرب بجلدها باكية.

كان مرهقا. كره أن يركض خلفها، فاستلقى على الفراش لاهثا. ما هذا الذي فعل؟ لا يملك جوابا. فقط ضحكة عصبية باغتته، وإحساس مدهش بالارتياح. فجأة بدا وكأن كل ضيقه قد تلاشى دفعة واحدة مع اختفاء خيوط الشمس الأخيرة من الغرفة.

13 تموز 2014

Translate