يمكن طلب نسخة من الكتاب عبر بوّابة سيريس هنا.
كما تعلمون، لا ينشر المرء كلّ يوم، و لا يستلم "كتابه الأول" مرّتين.. لم يشأ تموز أن يمضيَ دون أن يترك لي خلفه كنزا ثمينا و أوجاعا بحجم الوطن.. و لأنّ أوجاع الوطن ستنتهي فهو أكبر منها، فإنّني أؤثر أن أتحدّث عمّا أريد أن أتركه للوطن..
كـُتيب صغير هو، بسيط الهيئة كصاحبه، يحمل في طيّاته قصصا عشرا، لا أعتقد أنّ بينها شبها كبيرا.. بدأته ذات صدفة من صائفة 2007. متعة بسيطة أردتُ بها أن أرى بسمة جذلى على شفاه الأصدقاء.. ثم بدا لي أنني أجيد ما أفعل و لا ألقى من ورائه جهدا جهيدا كذلك الذي عرفته في كتابة الرواية، فألِف قلمي شكل الأقصوصة، و صار يقولب الأفكار بقالبها.. و لأنني شخص ملول بطبعي، فلقد أبى قلمي أن يكتب القصص بذات الأسلوب الروائيّ.. بعض القصص ساخر ممعن في السخرية، و بعضها اغرق في ماء الشاعرية و العواطف الشجية، و بعضها حالك متشائم كئيب.. مرة أروي بصيغة الغائب، و مرة بصيغة المتكلم، و أحيانا بكلتيهما.. حتى مضامين القصص لا تقرب إحداهما الأخرى إلا مقدار فكرة.. فقط ما يجمع بينها هو أنها حكايات تونسية.. حتى قصة سندرلا أخذت عبقا تونسيا حميما لم أستطع تجنّبه..
في منتصف السنة الفارطة، أخرجتني من حالة حزن طويلة، دعوةُ ناشر لا أعرفه، للحديث بشأن نشر أعمالي.. نشر؟! أنا أنشر؟ في الواقع، لم يخطر ببالي ذلك و أنا أكتب أيّا من الأقاصيص الخمسة (التي كنت قد كتبتُها حينئذ).. في السابق كنتُ أحلم أن أنشر. منذ كتبتُ قصة "الأبطال الخمسة" في السادسة من عمري، و أنا أحلم أن أنشر.. كنت أكتب القصص و أصنع لها قالبا من الورق المقوى يشبه القصص التي أراها في المكتبات، بل إنني كنتُ أكتب على غلافها عبارة "صدر من هذه السلسلة" ..
و أظلّ أتخيل عناوين لقصص لم أكتبها بعد.. رأيتُ أناسا كتبوا أشياء أشدّ بساطة بكثير مما كتبت، و نشروا لأنّ لهم المال الكافي، أو لأنّ لهم "من يفهمون في هذه الأمور"، أما أنا، فكنت في كل مرة أنظر بائسا إليهم، و التحف أوراقي و أعتزل العالم .. كان لا بدّ من شخص غريب الأطوار، يلتحف شيئا من الأمل وسط أوجاع هذا الوطن، و يرفع شعار "الثورة تبدأ مع القراءة"، كي يعود لي من جديد أمل النشر. جاء في صورة ثائر صموت، يفضّل أن يفعل أكثر مما يتحدث.. يحلم بأشياء كثيرة، قد تبدو طفولية لبعضنا، لكنّه لا يهتم كثيرا، إنه منشغل عن ذلك بالمحاولة الفعلية..
يرى "فاوستو" مؤسس دار ورشة19 للنشر، أن المصيبة العظمى في هذه البلاد، أن الناس لا تقرأ.. و أنا أوافقه الرأي. و يرى كذلك أن تردّي مستوى الناس اللغويّ من أبرز مظاهر هذه الأميّة المدقعة، فلا الناس تحسن اللغة العربية و لا تحسن الفرنسية، و أنا أوافقه الرأي، و يرى أنّ الحلّ يكمن في اللهجة العامة التونسية، التي يعتبرها لغة قائمة بذاتها، و أنا لا أوافقه اطلاقا.. لكنّه على هذا الاختلاف، لم يكن متشائما..
في الواقع، من أبرز الهموم التي حمّلتُها كتابي، هو مشكلة اللغة.. فأنا أعتقد جازما أن العربية لم تكن يوما حاجزا، و حينما يقرّر المواطن التونسيّ أن يفهم شريط الانباء فإنه سيفعل ذلك دون صعوبة، و حينما تقرر العائلة التونسية أن تتابع مسلسل الكواسر، أو مسلسلا مكسيكيا مدبلجا، فلن يعوقها شيء .. المشكلة برأيي تكمن في أسلوب الكتابة ذاته، و في النمط الروائيّ المتّبع، فإما أن يشدّ القارئ و يقدّم له ما يرجو من المتعة، و إما أن يجعل حياته أكثر تعقيدا.. لا أعرف هل وُفّقتُ في هذا الكتاب، أن أقدم عربية سهلة بسيطة، قادرة في الآن ذاته على نقل مفاهيم و تساؤلات على شيء من العمق إلى القارئ التونسيّ، لكنّ هذا ما أحاول فعله عموما..
إنّ اعادة التونسي إلى الكتاب الأدبيّ (العربيّ خصوصا) مغامرة عسيرة تمرّ عبر طريقين مفخخين : طريق الشكل، طريق يحاول أن يبتعد عن كل نمط ثقيل دسم، فقراءة الأقصوصة لا يجب أن تتجاوز ربع الساعة، و النص يجب أن يشحذ الخيال، و يقدّم عشرات المشاهد الذهنية، و السرد يجب أن يكون مثيرا، على طريقة الأفلام البوليسية.. و طريق الفكرة. و يجب أن يكون جديدا، طريفا، غير مألوف البتة، يجب أن يبتعد عن الأفكار التي اجترّتها كتب السابقين، ويجب أن يقدّم تساؤلات جديدة في أكثر الموضوعات تداولا بين الناس...
هكذا أحببتُ لـ"الخروج عن الخطّ" أن يكون. و أرجو أن أوفّق في ذلك إلى حدّ مقبول. و بقدر ما يصلني من ملاحظات بخصوصه، بقدر ما سيمنحني ذلك من مساحة لتحسين نسلي، و تقديم أعمال أكثر جودة..
من بين علامات التبويب بالمدوّنة، تجدون علامة "الخروج عن الخط" تضمّ كلّ التدوينات التي تخص الأقصوصات العشرة التي يتضمنها الكتاب.. يمكنكم هناك متابعة آراء القرّاء و ملاحظاتهم بخصوصا. بانتظار آرائكم.
كما تعلمون، لا ينشر المرء كلّ يوم، و لا يستلم "كتابه الأول" مرّتين.. لم يشأ تموز أن يمضيَ دون أن يترك لي خلفه كنزا ثمينا و أوجاعا بحجم الوطن.. و لأنّ أوجاع الوطن ستنتهي فهو أكبر منها، فإنّني أؤثر أن أتحدّث عمّا أريد أن أتركه للوطن..
كـُتيب صغير هو، بسيط الهيئة كصاحبه، يحمل في طيّاته قصصا عشرا، لا أعتقد أنّ بينها شبها كبيرا.. بدأته ذات صدفة من صائفة 2007. متعة بسيطة أردتُ بها أن أرى بسمة جذلى على شفاه الأصدقاء.. ثم بدا لي أنني أجيد ما أفعل و لا ألقى من ورائه جهدا جهيدا كذلك الذي عرفته في كتابة الرواية، فألِف قلمي شكل الأقصوصة، و صار يقولب الأفكار بقالبها.. و لأنني شخص ملول بطبعي، فلقد أبى قلمي أن يكتب القصص بذات الأسلوب الروائيّ.. بعض القصص ساخر ممعن في السخرية، و بعضها اغرق في ماء الشاعرية و العواطف الشجية، و بعضها حالك متشائم كئيب.. مرة أروي بصيغة الغائب، و مرة بصيغة المتكلم، و أحيانا بكلتيهما.. حتى مضامين القصص لا تقرب إحداهما الأخرى إلا مقدار فكرة.. فقط ما يجمع بينها هو أنها حكايات تونسية.. حتى قصة سندرلا أخذت عبقا تونسيا حميما لم أستطع تجنّبه..
في منتصف السنة الفارطة، أخرجتني من حالة حزن طويلة، دعوةُ ناشر لا أعرفه، للحديث بشأن نشر أعمالي.. نشر؟! أنا أنشر؟ في الواقع، لم يخطر ببالي ذلك و أنا أكتب أيّا من الأقاصيص الخمسة (التي كنت قد كتبتُها حينئذ).. في السابق كنتُ أحلم أن أنشر. منذ كتبتُ قصة "الأبطال الخمسة" في السادسة من عمري، و أنا أحلم أن أنشر.. كنت أكتب القصص و أصنع لها قالبا من الورق المقوى يشبه القصص التي أراها في المكتبات، بل إنني كنتُ أكتب على غلافها عبارة "صدر من هذه السلسلة" ..
و أظلّ أتخيل عناوين لقصص لم أكتبها بعد.. رأيتُ أناسا كتبوا أشياء أشدّ بساطة بكثير مما كتبت، و نشروا لأنّ لهم المال الكافي، أو لأنّ لهم "من يفهمون في هذه الأمور"، أما أنا، فكنت في كل مرة أنظر بائسا إليهم، و التحف أوراقي و أعتزل العالم .. كان لا بدّ من شخص غريب الأطوار، يلتحف شيئا من الأمل وسط أوجاع هذا الوطن، و يرفع شعار "الثورة تبدأ مع القراءة"، كي يعود لي من جديد أمل النشر. جاء في صورة ثائر صموت، يفضّل أن يفعل أكثر مما يتحدث.. يحلم بأشياء كثيرة، قد تبدو طفولية لبعضنا، لكنّه لا يهتم كثيرا، إنه منشغل عن ذلك بالمحاولة الفعلية..
يرى "فاوستو" مؤسس دار ورشة19 للنشر، أن المصيبة العظمى في هذه البلاد، أن الناس لا تقرأ.. و أنا أوافقه الرأي. و يرى كذلك أن تردّي مستوى الناس اللغويّ من أبرز مظاهر هذه الأميّة المدقعة، فلا الناس تحسن اللغة العربية و لا تحسن الفرنسية، و أنا أوافقه الرأي، و يرى أنّ الحلّ يكمن في اللهجة العامة التونسية، التي يعتبرها لغة قائمة بذاتها، و أنا لا أوافقه اطلاقا.. لكنّه على هذا الاختلاف، لم يكن متشائما..
في الواقع، من أبرز الهموم التي حمّلتُها كتابي، هو مشكلة اللغة.. فأنا أعتقد جازما أن العربية لم تكن يوما حاجزا، و حينما يقرّر المواطن التونسيّ أن يفهم شريط الانباء فإنه سيفعل ذلك دون صعوبة، و حينما تقرر العائلة التونسية أن تتابع مسلسل الكواسر، أو مسلسلا مكسيكيا مدبلجا، فلن يعوقها شيء .. المشكلة برأيي تكمن في أسلوب الكتابة ذاته، و في النمط الروائيّ المتّبع، فإما أن يشدّ القارئ و يقدّم له ما يرجو من المتعة، و إما أن يجعل حياته أكثر تعقيدا.. لا أعرف هل وُفّقتُ في هذا الكتاب، أن أقدم عربية سهلة بسيطة، قادرة في الآن ذاته على نقل مفاهيم و تساؤلات على شيء من العمق إلى القارئ التونسيّ، لكنّ هذا ما أحاول فعله عموما..
إنّ اعادة التونسي إلى الكتاب الأدبيّ (العربيّ خصوصا) مغامرة عسيرة تمرّ عبر طريقين مفخخين : طريق الشكل، طريق يحاول أن يبتعد عن كل نمط ثقيل دسم، فقراءة الأقصوصة لا يجب أن تتجاوز ربع الساعة، و النص يجب أن يشحذ الخيال، و يقدّم عشرات المشاهد الذهنية، و السرد يجب أن يكون مثيرا، على طريقة الأفلام البوليسية.. و طريق الفكرة. و يجب أن يكون جديدا، طريفا، غير مألوف البتة، يجب أن يبتعد عن الأفكار التي اجترّتها كتب السابقين، ويجب أن يقدّم تساؤلات جديدة في أكثر الموضوعات تداولا بين الناس...
هكذا أحببتُ لـ"الخروج عن الخطّ" أن يكون. و أرجو أن أوفّق في ذلك إلى حدّ مقبول. و بقدر ما يصلني من ملاحظات بخصوصه، بقدر ما سيمنحني ذلك من مساحة لتحسين نسلي، و تقديم أعمال أكثر جودة..
فاروق الفرشيشي
28 تمّوز 2013
من بين علامات التبويب بالمدوّنة، تجدون علامة "الخروج عن الخط" تضمّ كلّ التدوينات التي تخص الأقصوصات العشرة التي يتضمنها الكتاب.. يمكنكم هناك متابعة آراء القرّاء و ملاحظاتهم بخصوصا. بانتظار آرائكم.
No comments:
Post a Comment