Saturday, August 20, 2011

قراءة بسيطة في أحزاب اليوم ـ "حدت"

و يسمى أيضا حزب نجيب الشابي، و أعتقد أن التعرف على الحزب يمرّ عبر التعرف على هذا الرجل تحديدا.
في الواقع لا يمكن سرد كل تجربته السياسية هنا، و لكن اختصارا، برز اسم أحمد نجيب الشابي منذ الستينات كعضو في منظمة أفاق الاشتراكية قبل أن يتعرض هو رفاقه الى جملة من الاحكام بالسجن و الاقامات الجبرية خرج منها سنة 83 بتأسيس التجمع الاشتراكي التقدمي مع "الانفتاح" الرسمي على التعددية الحزبية، أترك لكم حرية استنتاج توجهاته من خلال ما صرح به الشابي أنذاك في ندوته الصحفية : ‫
" وينهض مبدؤنا الاشتراكي على ‫أساس ملكية المنتجين أنفسهم لوسائل الإنتاج الكبرى، ووجوب تسييرهم لها،‬ ‫وأن حركتنا تنتسب إلى الفكر الاشتراكي العمالي العالمي، ولهذا فهي ترى، أن ‫الطبقة العاملة مدعوة إلى أن تلعب الدور القيادي في عملية التحول هذه من‬ ‫الرأسمالية إلـى الاشتراكية، الذي ننشده .. ولذلك فإننا نعمل على إقامة نظام ‫اشتراكي قوامه الديمقراطية.” ‬
و رغم التطور الحاصل في بعض مواقف الشابي التي كانت أكثر راديكالية في ما مضى، فإنه حافظ نقاط مشتركة مع قوى اليسار، مبينا معاداته لقوى الامبريالية "أمريكا و الكيان الصهيوني" و مطالبته بشراكة اكثر فاعلية مع الاتحاد السوفياتي.
كما ظهرت حينئذ جريدة الموقف، التي كانت فيما بعد خير معوّض لصحيفة الرأي الشهيرة، و كانت بشكل ما صداعا لأجهزة الدولة التي حاولت قمعها أكثر من مرة فيما بعد..
لكن لنعد إلى الخط "التقدمي" الذي سار عليه نجيب الشابي، فبعد محاكمته سنة 87 كأغلب قوى المعارضة، صادق بعد استلام بن علي السلطة، على الميثاق الوطني شأنه شأن بقية الاحزاب (باستثناء حمة الهمامي حينئذ) و أبدى تجاوبا مع النظام الجديد ـ القديم، ربما أكثر من غيره من القوى السياسية آنذاك، و كان أن أُرسل أحمد نجيب الشابي مبعوثا شخصيا من بن عليّ الى الخليج لتبيين موقف الدولة من حرب الخليج. و هو ما يوحي بضرب من التماهي بين موقف الحزب و موقف الدولة. و لكن الغزل لم يستمرّ، خصوصا حينما أدرك الشابي أن التجمع الدستوري لا ينوي تشريك اي حزب اخر في الحكم، و بعد سكوته على تزوير انتخابات 89 و سكوته على عمليات قمعية قام بها النظام في تلك الفترة، اعلن الحزب عن تخليه عن مساندة النظام سنة 91 حينما بدأت محاكمة الاسلاميين...
و بغض النظر عن الدوافع وراء هذا التغير ـ ان كان بالفعل ادراكا متأخرا جدا لحقيقة النظام، أو خيبة امل في نظام امطره وعودا ـ فإن مقاومة الحزب طيلة فترة بن علي كانت واضحة و لا يمكن نكرانها، و كحزب معترف بوجوده كان الطرف الاقسى على النظام، و كانت صحيفة الموقف تمثل نورا خافتا وسط ظلمة الاعلام التونسي طيلة السنوات الثلاث و العشرين التجمعية.
لكن لنعد إلى مسيرة الحزب، فقد تركناه ذا نزعة اشتراكية واضحة معادية للامبريالية الامريكية، و تنتصر للقيم الشيوعية، لكن ذلك بدأ يتلاشى مع مرور السنوات، خصوصا مع انضمام العديد من المناضلين من تيارات ايديولوجية اخرى الى الحزب، و بدا أن خط مقاومة الدكتاتورية أكثر أهمية من الخط الاشتراكي.. لقد تحدثت تقارير كثيرة عن التقارب بين الحزب الاشتراكي التقدمي (الذي تخلى في مؤتمر 2001 عن تسمية اشتراكي، و أصبح الحزب الديمقراطية التقدمي ـ حدت) و الادارة الامريكية. و لكن ما قد يسترعي الانتباه، هو خيارات الشابي في تلك الفترة، فبعد دورتين متتاليتين على رأس الحزب، تخلى “طواعية” عن رئاسة الحزب (ربما كان بمقدوره المواصلة دون معارضة من أحد) تكريسا للمبدأ الذي يناضل من أجله، و تولت مية الجريبة الامانة العامة منذ ذلك التاريخ الى اليوم، و لكن ظل الرجل هو المرشح الوحيد للحزب في رئاسيتي 2004 و 2009 و ان قوبل بقمع السلطات.. لقد تغيرت افكار الحزب تدريجيا لتقترب أكثر من الافكار الراسمالية و الليبرالية، و بدا أن همه الاول ليس الاطاحة بالنظام كما كانت الاحزاب الممنوعة حينئذ كالنهضة و قوى اليسار الراديكالي و بعض التيارات القومية، بل ايجاد مكان وسط النظام لتغييره من الداخل و كأنه بذلك يقدم تخيّلا جديدا لمصطلح التقدمية، مخالفا للمعنى اليساريّ المألوف...
و أعتقد أن ذلك كان يفسر إلى حد ما القبول الحذر لخطاب بن علي في 13 جانفي، فقد اعتبرها فرصة جيدة جدا للمشاركة الفعلية في الحكومة بعد طول انتظار، و قد كانت تلك أول قراءة خاطئة للاحداث منذ بداية الانتفاضة. و قد تتالت القراءات الخاطئة...
ـ انضم الشابي إلى حكومة الغنوشي المثخنة بالتجمعيين من رفاق بن علي في حركة تعكس مدى وعي الحزب بمتطلبات الثورة... ـ تواصل بقاء الشابي في الحكومة رغم المطالب الشعبية آنذاك التي كانت تطالب بتغييرات جذرية، و الغالب انه اعتبرها مطالب حزبية من اولئك الذين تحالف معهم في الماضي و لم تسعفهم وضعيتهم القانونية اليوم في التواجد في صلب الحكومة (العمال، المؤتمر، النهضة) ـ ظهور الشابي المتكرر في القنوات التلفزية كممثل عن الحكومة، في وقت أكد فيه انه اختار وزارة الشؤون الجهوية لأنه "رجل ميدان" .. لم يزر الا منطقة واحدة حينئذ.. ـ بعد اعلان السبسي ان اعضاء الحكومة لا يمكنهم الترشح للمجلس التأسيسي، استقال الشابي من الوزارة، في خطوة أكدت سعي الشابي الحثيث وراء أي منصب قيادي كان. ـ انتقل الشابي بعد ذلك إلى مساندة الحكومة بطريقة غريبة، و الى المساهمة في خلق تصادم تونس بين مؤيدي حركة النهضة و معارضيها، في وقت لم يتم فيه التخلص بعد من الخصم الذي تحالف بسببه مع الحركة الاسلامية في الماضي.
ـ دعا الحزب الى تهدئة الاجواء و الى معاداة النهضة باعتبارها العائق الوحيد امام التحول الديمقراطي، و الى مساندة الحكومة، و الى انهاء كل اضراب يحدث. في المقابل تجاهل الامور التالية:
+ ملف القناصة
+ ملف الهاربين
+ ملف الداخلية
+ ملف ضحايا الانتفاضة
ـ قدم الحزب برنامجه مبكرا و قدم خلاله اهدافا مهمة دون أن يقدم السبل و الحلول لاغلبها (ضمان استقلالية السلط) ـ توازيا مع البرنامج الانتخابي بدأ الحزب حملة دعائية منذ شهر افريل تقريبا، مخالفا بذلك القانون الذي يقر ببدء الحملة قبل 3 اسابيع من الانتخابات. ـ في الوقت نفسه، تعرض الحزب بالنقد الشديد للبرنامج الذي قدمه عبد الفتاح مورو في رمضان على حنبعل في وقت كانت نسمة تبث اعلانه. ـ شهد الحزب أوسع حركة استقالة جماعية في صفوفه خلال ماي و جوان، و السبب الرئيسي كما يبدو التفرد بالرأي و اقتصار القرارات على بعض الاعضاء من المكتب السياسي، و هو ما رد عليه الحزب بتوسيع نطاق المكتب السياسي، و بعض التغيير في هيكلة الحزب.. ـ من خلال محادثتي لاحد شباب الحزب، فإن هناك انعدام تواصل بين المكتب السياسي الذي كثيرا ما يتلقى معلومات مغلوطة تماما و بين اعضائه الناشطين الذين يبلّغون احيانا المعلومة متأخرا، او لا يبلغونها اطلاقا مما ينعكس على بيانات الحزب و مواقفه..
ـ كثر الحديث عن عمليات استقطاب الحزب للكوادر التجمعية، و أيضا للمواطنين عن طريق الوعود او الحشد الرخيص وقت المؤتمرات، و لا نملك في الواقع دلائل قطعية على وجود هذه الممارسات، و لكن اغلب الظن أنها بالفعل موجودة من خلال تأكيدات اطراف عديدة لا يجمع بينها شيء، و فيهم من المستقلين كثيرون..
لا أعرف ان كنت قد ألممت بكل ما يمكن ذكره في خصوص الحدت، لي مقال بشأن برنامج الحزب، و لكن استنتاجي الشخصي، ان الشابي فهم "التقدمية" بالغالط، و بعد ان تدرج من اليسار الراديكالي الى يسار اقرب لليبرالية، تحول من محارب للديكتاتورية الى باحث عن السلطة بشتى السبل. يفهم الشابي الديمقراطية على انها تنافس بين "عدة" تيارات سياسية على السلطة، من يفوز بالسلطة؟ في حين أن المجلس التأسيسي يتطلب تعاون التيارات جميعا من اجل بناء مقومات دولة يمكن ان يستقيم فيها التنافس. رغم كل ذلك يتواجد "حدت" في مقدمة استطلاعات الرأي بعد حركة النهضة، ربما بسبب ماضيه النضالي، و ربما ايضا بمساعدة تجمعية تعلم جيدا طرق الوصول الى مناطق لا تملك ترف تحليل المشهد السياسي.. ربما ينجح الحزب التقدمي في تحصيل نسبة لا بأس بها من الاصوت، لكنني متأكد أن صوتي لن يكون من بينها.
الصورة مفبركة، و هي رمزية و ليست توثيقية

Translate