من وحي أحداث مسيرة يوم الأرض..
_________________________________
مخيّلتي تضيق..
_________________________________
مخيّلتي تضيق..
كانت الشعارات كثيرة.. فسيفساء من الاحلام و الشتائم.. الحزب و الحزب المعادي.. علم فلسطين يشرئبّ بعنقه علّ أحدا يراه..
دخل إلى حانة الفندق، و طالعه صوت الموسيقى الدافئة، ربّما يجد شيئا من الصخب الهادئ هنا، العاصفة لا تزال تزأر في رأسه، و هو يحبّ أن ينسى..
كانت وراءه أعلام المغرب، و كانت أمامه رايات الصحراء المغربية و كان هو يحمل شعارات عن الأرض المغتصبة.. حاول أن يتابع المسيرة بحنجرته المتحمّسة لكنّه ضاع وسط الهتافات.. لم يفهم تحديدا هل عليه أن يصرخ "الارض فلسطينية، و الصحراء مغربية" أم أن يصرخ "الصحراء و فلسطين، اراضي المظلومين" لذلك قرّر أن يبتعد قليلا..
جالسة هناك، تلاعبُ الموسيقى جسدَها فيستجيب تلميحا، بينما شفتاها لا تكفان عن الابتسام.. سرت رعشة خفيفة في جسده و هو يقبّل خدّها الغضّ.. و راح يتابع ما ترويه عيناها من حكايا...
فوجئ بصراخ من حوله، و حمّالة ألوية عجيبة يندفعون راكضين من ورائه.. قرأ على الألوية عبارة "الأحواز".. لماذا يركضون؟ هتف أحدهم أن انصار الخمينيّ في الخلف، و أن البوليس فرّق بينهم.. "الوطن العربي واحد، الشعب العربي واحد!".. قال لهم أحدهم أن يلتحقوا بالقوميين في الأمام..
عيناها تلمعان، جذل أم انتظار؟ جرع بقية كأسه لكنّ العطش لا يزال غالبا، فظل يحدق صامتا في شفتيها.. قالت له مبتسمة إنّه ـ على غير عادة الكتّاب ـ صموت، لكنّه لم يجد جوابا فلاذ بالصمت و مراقبة شفتيها..
سأله صديقه الفلسطينيّ عن الرايات الحمراء التي تحيط بهم، فأجابه إنهم النقابيون، و أتباعهم.. لماذا يصرخون تنديدا بتجار الدين؟ لم يجد اجابة مقنعة، قال انها ادبيّاتهم السياسية، فصرخت في وجهه امراة ثائرة أنهم مجتمع مدني و لا علاقة لهم بالاحزاب.. أراد أن يسألها لماذا لا يُجمع الكل على اسم فلسطين و ينسون خلافاتهم ليوم واحد؟ لكنّه خاف أن يُتّهم بالرجعية فلاذ بالفرار..
نسق الموسيقى يتسارع، و كذلك الخدر في جسده، مع ذلك لم يحس بانسجام كبير مع ما حوله.. راح يتأمل الوجوه الناعمة المنتعشة.. رائحة السلام و النسيان تغرق المكان.. شابان و امرأتان يتبادلون القبل في ما بينهم في استمتاع، عجوز تراقص سعادتَها و رضاها عن العالم.. قالت له احداهنّ "و كأنّك غريب عن هذا العالم." فابتسم ساخرا و أفرغ كأسا أخرى في جوفه، ثم هبّ راقصا..
كيف تغيرت الموسيقى الى فولكلور فلسطينيّ؟ لم يفهم.. لكنّه توقف عن الرقص.. راح يتابع راقصي الدبكة الذين نبتوا فجأة وسط المكان.. كان أغلبهم شُقرا، غربيّي الملامح.. أشاعوا جوا فلسطينيّا دافئا.. لماذا لا يواصل الرقص؟ كان عاجزا.. و كان مخيّلته تضيق..
قال له صديقه الفلسطينيّ إنّه كره الزحمة و الشعارات المستفزّة، و أنّه ربما عليهم أن يتقدّموا الى الامام قليلا.. هنا، أوقف المنظّمون تحرّك المسيرة، و هتف هاتف من وراء بوق لا يعمل أن مسيرتهم المظّفرة كبيرة و تبلغ العشرة آلاف شخص، و أنه يجب أن يتوقفوا ليتركوا "الغرباء" في التسللّ.. ردّد أحدهم هتافا عن الخونة "الاخوانجية".. فطار صواب رفيقه الفلسطينيّ و دعا الجميع الى الابتعاد عن جسم المسيرة.. مرّ مع صُحفيّة من بين أيدي المنظّمين المتشابكة، ثمّ استدار ليجد صديقَيه الفلسطينيينّ داخل الحاجز البشريّ.. كانت الفتاة الفلسطينيّة تهتف في غضب إنها لا تتبع أية مسيرة، و إنّها "قرفت" من الشعارات الحزبية التي لم تأت من أجلها، لكنّه واجه يدَها الرقيقة بيد حجرية آلمتها، لحسن الحظّ أن صديقه الفلسطينيّ لم يلحظ ذلك، امّا هو، فاندفع لتخليصها و هو يصرخ في المنظّم.. كان للمنظّم موقف وجيه من منع فلسطينيّة من التحرّك بحريّة في مسيرة تساند وطنها : لا يجب الاختلاط مع الرجعية.. موقف لم يكن يعنيها كثيرا..
حينما اقترب منتصف الليل، لعبت الخمر برأسه، فاسند رأسه إلى كتفها.. رسمت ابتسامتها الساحرة و هي تقول في غموض "هل تريد أن تنام حقا؟" لا يعرف، قال لها إنه يشعر بالعطش، كان بالفعل يشعر بالعطش، لكنها و قد لحظت ذوبان عينيه عند شفتيها القرمزيّتين، ضحكت و قالت له : الجمايلية عطاشى!" ثمّ أضافت :" ما الذي يروي عطشك؟" عيناها تكتبان أكثر من قدرته على القراءة.. عيناها تلمعان في جنون هادئ.. حينما تضيق المخيلة، يتداخل الخيال بالذاكرة.. يمتزج الماضي بالامل.. الكاذب.. عاودته صور الاحزاب المتشابكة على فلسطين في يوم الأرض.. ثمّ صورة شفتيه تدغدغان جسدها.. ركّز أيها الاحمق ركّز! لكنّ الصداع بدأ يعمل عمله.. أشياع صدام يهتفون ضدّ أشياع الخامنئ، اليسار يحذّر من الاخوان، و الاخوان يكبّرون في رضا، الناصريّون يرفضون مظاهرة ينظمها المنتدى المتحالف مع الصهيونية، أين فلسطين؟
كان عاجزا.. حينما ألصق شفتيه بشفتيها، كان لا يزال عاجزا.. "ماذا هناك؟" سألته في قلق.. حاول أن يجمّع جملتين، لكنّه قال كأنه يهذي "الأرض ليست خصبة.." .. عاودته الصور، فعاد يقبّلها.. لكنّ المخيلة كانت تضيق.. أحس بيدها فارتجف، لكنّها فهمت كلّ شيء.. الأرض ليست خصبة .. و هو عاجز عن الحب.. استأذن في الانصراف دونما عبارة..
دخل إلى حانة الفندق، و طالعه صوت الموسيقى الدافئة، ربّما يجد شيئا من الصخب الهادئ هنا، العاصفة لا تزال تزأر في رأسه، و هو يحبّ أن ينسى..
كانت وراءه أعلام المغرب، و كانت أمامه رايات الصحراء المغربية و كان هو يحمل شعارات عن الأرض المغتصبة.. حاول أن يتابع المسيرة بحنجرته المتحمّسة لكنّه ضاع وسط الهتافات.. لم يفهم تحديدا هل عليه أن يصرخ "الارض فلسطينية، و الصحراء مغربية" أم أن يصرخ "الصحراء و فلسطين، اراضي المظلومين" لذلك قرّر أن يبتعد قليلا..
جالسة هناك، تلاعبُ الموسيقى جسدَها فيستجيب تلميحا، بينما شفتاها لا تكفان عن الابتسام.. سرت رعشة خفيفة في جسده و هو يقبّل خدّها الغضّ.. و راح يتابع ما ترويه عيناها من حكايا...
فوجئ بصراخ من حوله، و حمّالة ألوية عجيبة يندفعون راكضين من ورائه.. قرأ على الألوية عبارة "الأحواز".. لماذا يركضون؟ هتف أحدهم أن انصار الخمينيّ في الخلف، و أن البوليس فرّق بينهم.. "الوطن العربي واحد، الشعب العربي واحد!".. قال لهم أحدهم أن يلتحقوا بالقوميين في الأمام..
عيناها تلمعان، جذل أم انتظار؟ جرع بقية كأسه لكنّ العطش لا يزال غالبا، فظل يحدق صامتا في شفتيها.. قالت له مبتسمة إنّه ـ على غير عادة الكتّاب ـ صموت، لكنّه لم يجد جوابا فلاذ بالصمت و مراقبة شفتيها..
سأله صديقه الفلسطينيّ عن الرايات الحمراء التي تحيط بهم، فأجابه إنهم النقابيون، و أتباعهم.. لماذا يصرخون تنديدا بتجار الدين؟ لم يجد اجابة مقنعة، قال انها ادبيّاتهم السياسية، فصرخت في وجهه امراة ثائرة أنهم مجتمع مدني و لا علاقة لهم بالاحزاب.. أراد أن يسألها لماذا لا يُجمع الكل على اسم فلسطين و ينسون خلافاتهم ليوم واحد؟ لكنّه خاف أن يُتّهم بالرجعية فلاذ بالفرار..
نسق الموسيقى يتسارع، و كذلك الخدر في جسده، مع ذلك لم يحس بانسجام كبير مع ما حوله.. راح يتأمل الوجوه الناعمة المنتعشة.. رائحة السلام و النسيان تغرق المكان.. شابان و امرأتان يتبادلون القبل في ما بينهم في استمتاع، عجوز تراقص سعادتَها و رضاها عن العالم.. قالت له احداهنّ "و كأنّك غريب عن هذا العالم." فابتسم ساخرا و أفرغ كأسا أخرى في جوفه، ثم هبّ راقصا..
كيف تغيرت الموسيقى الى فولكلور فلسطينيّ؟ لم يفهم.. لكنّه توقف عن الرقص.. راح يتابع راقصي الدبكة الذين نبتوا فجأة وسط المكان.. كان أغلبهم شُقرا، غربيّي الملامح.. أشاعوا جوا فلسطينيّا دافئا.. لماذا لا يواصل الرقص؟ كان عاجزا.. و كان مخيّلته تضيق..
قال له صديقه الفلسطينيّ إنّه كره الزحمة و الشعارات المستفزّة، و أنّه ربما عليهم أن يتقدّموا الى الامام قليلا.. هنا، أوقف المنظّمون تحرّك المسيرة، و هتف هاتف من وراء بوق لا يعمل أن مسيرتهم المظّفرة كبيرة و تبلغ العشرة آلاف شخص، و أنه يجب أن يتوقفوا ليتركوا "الغرباء" في التسللّ.. ردّد أحدهم هتافا عن الخونة "الاخوانجية".. فطار صواب رفيقه الفلسطينيّ و دعا الجميع الى الابتعاد عن جسم المسيرة.. مرّ مع صُحفيّة من بين أيدي المنظّمين المتشابكة، ثمّ استدار ليجد صديقَيه الفلسطينيينّ داخل الحاجز البشريّ.. كانت الفتاة الفلسطينيّة تهتف في غضب إنها لا تتبع أية مسيرة، و إنّها "قرفت" من الشعارات الحزبية التي لم تأت من أجلها، لكنّه واجه يدَها الرقيقة بيد حجرية آلمتها، لحسن الحظّ أن صديقه الفلسطينيّ لم يلحظ ذلك، امّا هو، فاندفع لتخليصها و هو يصرخ في المنظّم.. كان للمنظّم موقف وجيه من منع فلسطينيّة من التحرّك بحريّة في مسيرة تساند وطنها : لا يجب الاختلاط مع الرجعية.. موقف لم يكن يعنيها كثيرا..
حينما اقترب منتصف الليل، لعبت الخمر برأسه، فاسند رأسه إلى كتفها.. رسمت ابتسامتها الساحرة و هي تقول في غموض "هل تريد أن تنام حقا؟" لا يعرف، قال لها إنه يشعر بالعطش، كان بالفعل يشعر بالعطش، لكنها و قد لحظت ذوبان عينيه عند شفتيها القرمزيّتين، ضحكت و قالت له : الجمايلية عطاشى!" ثمّ أضافت :" ما الذي يروي عطشك؟" عيناها تكتبان أكثر من قدرته على القراءة.. عيناها تلمعان في جنون هادئ.. حينما تضيق المخيلة، يتداخل الخيال بالذاكرة.. يمتزج الماضي بالامل.. الكاذب.. عاودته صور الاحزاب المتشابكة على فلسطين في يوم الأرض.. ثمّ صورة شفتيه تدغدغان جسدها.. ركّز أيها الاحمق ركّز! لكنّ الصداع بدأ يعمل عمله.. أشياع صدام يهتفون ضدّ أشياع الخامنئ، اليسار يحذّر من الاخوان، و الاخوان يكبّرون في رضا، الناصريّون يرفضون مظاهرة ينظمها المنتدى المتحالف مع الصهيونية، أين فلسطين؟
كان عاجزا.. حينما ألصق شفتيه بشفتيها، كان لا يزال عاجزا.. "ماذا هناك؟" سألته في قلق.. حاول أن يجمّع جملتين، لكنّه قال كأنه يهذي "الأرض ليست خصبة.." .. عاودته الصور، فعاد يقبّلها.. لكنّ المخيلة كانت تضيق.. أحس بيدها فارتجف، لكنّها فهمت كلّ شيء.. الأرض ليست خصبة .. و هو عاجز عن الحب.. استأذن في الانصراف دونما عبارة..
No comments:
Post a Comment