غدا عيد ميلادي،
او هكذا أخبرتني إحدى تطبيقات الانترنت التي تحاصرني من كل جانب. و هكذا أدركت ـ مرة أخرى ـ أن سنة أخرى من حياتي ضاعت هباء، أو للدقة الشاعرية، هباء منثورا.. وجهي كما ترسمه المرآة كما هو تقريبا، لولا شيء من التشاؤم و السخط ينفذ من عينيّ ليجعلني أبدو أقل بلاهة..
ماذا يفعل الانسان ليلة عيد ميلاده؟ يصعب تحديد ذلك، لكني أعرف ما يفعله تونسي أمِل يوما في الثورة ليلة عيد ميلاده : يسترجع ذكرى خيباته حتما! لكـ.. لحظة، أسمع حفيفا غريبا. هل هو أحدكم؟ أم هي مخيلتي اللعينة؟ حبست أنفاسي محاولا تبيّن ما يحدث. لكن الصمت كان بليغا.. حاولت أن أقنع نفسي أن لن يخسر العالم الكثير بفقداني، و جرؤت أخيرا أن أتقدم، و ألقي نظرة متوثبة إلى المطبخ.. هناك كتاب على الطاولة. كتاب أسود أنيق كخيباتي.. المثير أن لا أحد يقرأ هنا غيري..
اقتربت في حذر كأنني أناور أفعى ملكية، و تأملت العنوان في دهشة "Death Note" أو مفكرة الموت. أين رأيت هذا العنوان من قبل؟ تخبرني ذاكرتي الصدئة، عن مسلسل صور متحركة ياباني بذات الاسم، و ذات الطابع القوطيّ الكئيب الذي أراه أمامي الآن. هو مفكرة بالفعل، لكن، اللعنة! من أتى بها ؟
تقول الأسطورة إن المفكرة تمكن الكاتب فيها من قتل من يشاء بمجرد ذكر اسمه على المفكرة. الأكثر اثارة هنا، انه بالامكان تحديد طريقة وفاته أيضا. و هي كما تلاحظون طريقة مستفزة جدا لأكثر مخلوقات الله مسالمة، أن تجرب فكرة القتل، فما بالكم بشخص عنيف الطباع مثلي. تقليد جميل لعشاق المسلسل لكنها تظل مفكرة كغيرها. لا ميزة هناك غير ما تصنعه مخيلة شخص ملول محاصر بالخيبات مثلي.. لتعمل المفكرة و لو في مخيلتي. فهناك العشرات ممن أريد أن لا أراهم أحياء في سنتي الجديدة.. بمن نبدأ؟
لا أعرف كيف خطر ببالي اسم الرئيس المصري، ربما لاعلان الرئيس الجديد، و ربما لأنني لم أرَ شخصا أهان مصر و العرب قدر خياناته التي لا تنتهي. من المنطقيّ أن أبدأ بيهوذا العرب. أخط أنه أصيب بجلطة في المخ، و قضي الأمر. لا تطاول على الأقدار هناك، بل مجرد آمال سخيفة و يائسة.. من أيضا؟ جنرال عسكرنا الموقر؟ قضاة مرتشون؟ التجمعيون؟ رجال الاعمال الفاسدون؟ السلفيون المزيفون؟ الحمقى؟ أعتقد أنني سأرسل نصف البلاد إلى الجحيم و لا أخال المفكرة تتسع لكل هؤلاء، فضلا أنني لا أعرف أسماء الجميع.. ماذا لو اخترت اناسا بعينهم؟ موتهم يقلب الموازين و ينقذ الثورة؟
من يستحق الموت؟ من خان الأمانة؟ و من ينفع البلاد بموته أكثر مما يفعل بحياته؟ الرئيس ربما، فهو لا يمثل أي دعامة للتوازن، بل لعله مجرد صورة "يسارية" لليمين الحاكم، انعكاس مرآة ليس الا، و صدى أقل وضوحا للحاكم الفعلي. و أعتقد أن أي تعويض له سيكون ذا نفع حتما. الوزراء الفاشلون؟ حتما، مادام رئيسهم لا ينتوي تغييرهم، فالافضل أن ارغمه على ذلك. تخيلوا وزيرا يحل المشاكل بدل أن يثيرها، و يشتغل أكثر من أن يتكلم! أحلم؟ بالفعل أحلم، لِم نوجد الفانتازيا اذا؟! ماذا عن قتلة الشهداء؟! وجيعة الثورة الكبرى. سأقتلهم جميعا، العدالة؟ لقد قالت العدالة كلمتها بالفعل، و أثبتت عجزها و قصورها في هذا الوطن العاجز. سأقتلهم جميعا، و لأقتل معهم العدالة نفسها. سأقتل ذلك الرئيس الذي لا يزال يلاعب صورة الشهيد على صدره كلما وجهوا القمرة (الكاميرا) إلى وجهه المكفهرّ العصابيّ. سأقتل صاحب الابتسامة البلهاء الذي وعد بالقصاص و خذل، سأقتل أولئك الحمقى الذين يتبجحون بالانتصار للشهداء بعدما خذلوهم عندما كانوا في الحكم منذ عام مضى.. سأقتل أصحاب المطارق المرتشين الذين قبلوا بمسرحية المحاكمات.. سأقتل أولئك السياسيين الذين يزايدون بمصاب العائلات المنكوبة مرتين، و أولئك النواب الذين يكتفون بالخطب العصماء و الصراخ السريالي المثير للغثيان، سأقتل الدكاترة و الاكادميين الذين يبيعون الحكمة لمن يدفع أكثر، و سأقتل الصحفيين الذين ينقلون ما شاء الكلاب أن ينقلوا، و يدفنون ما لم يقدروا على الخوض فيه، سأقتل الفنانين الذين لا فن لهم غير تقليد الآخرين، و لا شعب يحدثونه غير اناهم المتضخمة المشبعة بتراب الآخرين.. سأقتل الخرفان الذين يساسون بيسر ليهلكَ بعضهم بعضا.. سأقتل صاحب البدلة الكاكية الصارمة، مخفي الأسرار و مهلك الثوّار، كاتم الحقائق و مالك الأسرار.. سأتدبر له قتلة عبقرية تنهي الأسطورة الشاعرية و تعريها. سأقتل كل من قبل الرشوة أو قدمها، كل من أمر بالقتل أو التعذيب، كل من اختلس أموالا من الشعب، سأقتل المتمعشين من كاهل الفقراء، سأقتل المعتمد الذي يسمع أنين الارملة العارية شتاء فلا يأبه، و سأقتل ضابط الشرطة الذي رأى من يُعتدى عليه و لا يتدخل، و سأقتل من شهد عمليات البيع الرمزية لأراضي البلاد و لم يقل شيئا، و من قدم أرقاما كاذبة و هو يرسم ابتسامة رضا صفراء. سأقتل المحامي الذي استبسل في الدفاع عن رجل أعمال فاسد و الناس لم تجد من يأخذ بحقوقها، سأقتل الطبيب الذي أخطأ ثم تملص من خطئه، و سأقتل المعلم الذي لا يعلم، و الصحفي الذي ينشر الاكاذيب، و المهندس الذي يوفر حلا و جملة من المشاكل، سأقتل أصحاب سيارات الأجرة الذين لا يقفون لحالة حرجة خوفا من مسافة قصيرة لا توفر مالا، و سأقتل الأئمة الذين يحرضون على القتل في حضرة الله... سأقتل الرداءة! سأقتل سوء العمل! فهو مشكلتنا الاولى. نحن سيئون، و يجب أن نوجد جيلا ينجز عملا أكثر اتقانا و أقل عارا. كم ذكرت القتل من مرة؟ ما يكفي لملء خزانة من المفكرات لا واحدة، لكن لا بأس، لا بأس، إن هي إلا مفكرة تبيع لي الاوهام، و هو ديدننا منذ أخبار هارون الرشيد، و حكايات ألف ليلة.. نعشق الأوهام، و نتنفس الأساطير و المبالغات، تاريخنا المسكين تتقاذفه الدعوات لالحاقه بالقرآن أو ذبحه على الملأ. ان هي الا جرعة فانتازيا، و كم احتاج الى الهروب الى الفانتازيا..
هنا قرأت خبرا غريبا على الانترنت.. خبرا يشير إلى موت الرئيس المصري .. و بجلطة في المخ...
عاد الصمت يعم المكان، و أنا أرمق مفكرتي السوداء في بلاهة..
مفكرة الموت...
<يتبع>
3 comments:
Barra la3nbou zinek ya farakh , BEST OF WALLAH BEST OF
شكرا! تابع البقية، البقية تصلح جدا صدقني!
نحيتلي خمجة على قلبي
ممتااااااااااز
بانتظار البقية
و كل عام و انت بخير مجددا
Post a Comment