Friday, February 19, 2010

بن رشيق



مرحبا،
استوحيتُ هذه القصة من احدى حكايات والدي الطريفة، و الواقع أنني استدعتُ ذكرى الحكاية بمجرد أن سمعتُ بأمر الورقة النقدية الجديدة.. كنتُ أفكّر كيف يمكن للمواطن العاديّ أن يملك ورقة مثل هذه؟ قد تمثّل اربع ورقات منها كلّ تعب شهره الطويل.. لكنّ التونسيّ أثبت أنه يبتكر و يبدع كلّما تعلّق الأمر بامتلاك الأشياء، إنّ غريزة الامتلاك لديه رهيبة بالفعل!
ليس لديّ تعليق كبير على القصة، فكلّ ما لديّ ذكرتُه هناك، لكن فقط تساءلوا و أنتم تعيشون لدقائق صباح صالح هذا، أ فعلا اقترف ذنبا عظيما؟


بانتظار تعليقاتكم، إليكم هذا المقطع : 
لم تكن المرآة سحرية حتما، لكنّها كانت تعكس كلما يرغب في رؤيته بالفعل: الشاربان، بدلة العون الزرقاء، شارة الرتبة على الكتف التي تقول إنه لا يعني أيّ شيء في مجتمع البوليس. حتى رائحة العطر التي عمّر بها صدره كانت المرآة تعكسها.. في نظره على الأقل... 

القبّعة! إنها لا تعكس القبّعة! و كأنّ نسيان القبعة أفسد كل طقوس الصباح، فهرع ملتاعا إلى المطبخ مناديا زوجته :"يا مرا! مرا! ويني الطربوشة؟" و ما كاد يدخل إلى المطبخ حتى فوجئ بطربوشه على الطاولة كـأنه جزء من طبق الفطورالمعَدّ له، المنتظر أحشاءه...
 
و كطفل صغير عاد إليه سروره، و عادت بسمته و رضاه عن العالم... جلس و هو يفرك يديه، ثم وضع القبّعة على رأسه و هتف :" حُطي، حُطي عبد الباسط."
العم "صالح المقص" لا يمكنه تلذذ الطيبات من دون أن يقرأ الشيخ عبد الباسط عبد الصمد شيئا عليها. زوجته تعلم ذلك جيدا. كانت بانتظار قدومه لا غير...
"إذا الشّمس كوّرت ... و إذا ... بسم الله!"
 
ملأت اللقمة الأولى شدقيه، فمنعته من مواصلة التلاوة، لكنّ حنجرته تنغم مستطربة تلاوة الشيخ... تبتسم زوجته في رضا و كأنّها لهدوئه و طربه تستطعم حلاوة نجاح المهمّة الصباحية.. الرجال أطفال كبار، لعلّ ذلك أهم ما استخلصته من تجربتها الحياتية مع زوجها. لم يكن بمقدورها طبعا أن تتخيّل أنّ وراء ذلك الجذل الطفوليّ تكمن هموم كثيرة و تساؤلات أكثر...

و للقصّة بقية...
 
فاروق الفرشيشي
19 شباط 2010-02-19


بن رشيق
بلقاسم
بورقيبة

16 comments:

Anonymous said...

"يتسلّل الصباح إلى وادي سيدي حسون هادئا مداعبا، محاذرا أن يقض نوم كائناته.. يتسلل الصباح إلى هنا دافئا، مبشّرا أسراب الكائنات المهاجرة بثراء البحيرة التي تقصدها، مهنّئا إيّاها يترف الحياة على يتسلل الصباح دافئا مسالما، جاهلا أيضا أن أهل تينجة لا ينتظرون شمسه ليخرجوا إلى شؤونهم..": مقدمة رائعة،انتظرت أن تليها إحدى أقاصيص القرى المطبوعة بثرثرة الفلاحين لكنك كالعادة تقحمني في أحداث لم أكن لأتوقع قرائتها بعد مقدمتك تلك، و حسنا فعلت لأني لو علمت بادئ الأمر أنهاصفحة من يوميات شرطي لما تملكني فضول قرائتها...لن أطيل أكثر فأقر أن الأقصوصة جيدة إجمالا، بالرغم من أني لا أحبذ استعمال المصطلحات باللهجة العامية لكنني أعلم أنها كانت مصدر قوة هذه المرة ،ومكنتك من ملا مسة معاناة ذلك المواطن الذي لطالما اعتبرناه أبرز أسباب الفساد و الإنفلات الأمني، لكنه في واقع الحال ضحية أيضا لسلطة أعلى تمارس بدورها الضغط المفروض عليها... يبقى في النهاية ذلك التساؤل الأبدي : متى تنتهي الدائرة؟
أهنئك مرة أخرى ...في انتظار ثرثرة جديدة :))

أحمد يحي said...

هههههههههههههههه

رائعة يا عزيزي.. رائعة بحق..

لقد اضحكتني النهاية كثيرا..

حقا ان العالم اصبح يسير بهذه الطريقة..

الكل يبحث عن الربح الحرام والمصيبة انه يستجدي الله في طلبه..

كما قلت انفا انني لا اجيد النقد حقا..

لكن التشبيهات اعجبتني..

لديك تعابير تصلح لان تكون اقوالا ماثورة..

ما رايك ان تجرب كتابة قصص قصيرة..

ستبدع بحق..

Unknown said...

شكرا كثيرا يا غير المعرف! الحمد لله أن غاطتك البداية :) سأكتب يوما في أدب القرى، و لكن لعلني أحتاج إلى معرفتك كي أعلمك فتكون أول القارئين.

لا أعتقد أنه ضحية، لا أعترف كثيرا بنظرية الضحية مادام الخيار موجودا. المجتمع الذي نلقي عليه دوما باللوم إن هو إلا نتاج عمل هذا الرجل و من فوقه و من تحته..
الأكثر تعاسة في كل هذا، هو ذوبان مفاهيم الحلال و الحرام و السيء و الجيد في عالم المادة.. مادام الامر يعني المليم فلا مجال للحديث عن الرشوة و القمار. اجتماعيا، باتت الرشوة أمرا مقبولا تقريبا، و أيضا القمار مثلما تلاحظين في مسابقات التلفزيون التي لا تنتهي و مباركة الفائزين بالبروموسبور كأنهم أبطال مغاوير...
المادة تحطم كل القيم يوما بعد يوم...

Unknown said...

شكرا يا يحيى، ثق إنني سأعتمد المقايضة دوما

اقتباس:
^ ما رايك ان تجرب كتابة قصص قصيرة..

صدقني هذا أقصر ما يكون في القصص القصيرة. بعدها تصبح قصصا قصيرة جدا!
يا ولدي ادعو لي نكتب روايات !

Unknown said...

Je n'ai pas compris ce que j'ai raté jusqu'au moment ou j'ai commencé la lecture de ton texte, Farouk :-)

Les détails des détails qui tuent , la finesse de l'ironie et l'invention d'un langage subtile,intelligent et claire en même temps.

Resumer la corruption d'un système à travers une histoire qui ne parait au début qu'une petite narration humouriste d'un passage quotidien, est l'aventure de quelqu'un qui a compris la realité des mécanismes deroulant,qui a bien su les chatouiller.

متمردة .. Rebellious said...

قلمك مذهل حتى أن تمنيت أن لم تخلق النقطة لينتهي هذا الإبداع


متابعة لرقي حرفك

mariem said...

هذه الاقصوصة في نضري هي الافضل اسلوبا و الاكثر ثراء فنيا.

ان ما كتبته ليس بثرثرة.لم افهم حقا دلالة العنوان,اعتقد ان فيه الكثير من السلبية فما هدف ذلك؟؟
كما انك تستعمل كثيرا نقاط الاسترسال و هذا لا يروقني.

ما شدني فعلا هو بساطة اللغة و جمال التشابيه خاصة في وصفك المكان و الزمان كما ان استعمال اللهجة العامية و واقعية الاحداث جعلتني اتذكر الاديب نجيب محفوظ خاصة و ان البعد النقدي طاغ بوضوح فللوهلة الاولى اعتقدت اني اقرا رواية من رواياته كما ان العنوان "الثرثار" ذكرني بروايته "الشحاذ".

Unknown said...

أهلا يا مريم،
الثرثار هو عنوان المدونة ككل، و ليس عنوان الأقصوصة
بخصوص نقاط الاسترسال، أستعملها للدلالة على "و لكن هذا ليس موضوعنا الآن" حتى أجنب القارئ استطرادات هو في غنى عنها.
لم أقرأ كثيرا لنجيب محفوظ بالمناسبة، و لكن لا يمكن أيضا أن أقارن به.. مازال البون شاسعا :)
شكرا كثيرا يا مريم على إطلالتك.


المتمردة،
لا أعرف كيف بلغتك المدونة، لكنني ممتن فعلا! كوني هنا مع نشر الأقصوصة القادمة
:)

اقصوصه said...

رمضان كريم

وكل عام وانتم بخير :)

Unknown said...

و أنت بخير يا أقصوصة! و ماذا عن الأقصوصة؟ D:

أمين بوفايد said...

أثناء التّجوّل بين هذه الأسطر وجدت متعة في إكتشاف أسلوبك. لقد توصّلتَ إلى رسم صور في مخيّلتي ممّا دعاني إلى التّفكير في إعادة صياغة هذه الأحداث وتصوير شريط قصير. حقّا أسلوب رائع و طريقة في الكتابة تمتّع القرّاء!!
لكن بقدر هذا الإعجاب كنت أخشى أن تقع في تشابه مع عدٌة قصص طالما تحدٌث عنها الشارع التّونسي إلى أن مللنا من الإستماع إليها، لكن تيقّنت أنّني قد أسرعت الحكم عندما إكتشفت النّهاية التّي لم أكن أتوقّعها واللّتي تلخّص طرحك الذّاتي للموضوع وهي جديرة بفيلم من أفلام مارتين سكورسيس (أبالغ)

ملاحظة : بلاصة هي من الإسبانيّةla place
و إن ترجمناها للفرنسيّة تصيرle lieu
و la place الفرنسيّة تعني المكان المخصّص لشئ ما أو لشخص ما و ليس مكان، و في العاميّة التّونسيّة مستعملة في الحالتين

و بلاكة هي من الإسبانيّة la placa

وشكرا

Unknown said...

بالفعل la placa ! فاتتني هذه!
شكرا يا أمين و طبعا المبالغة واضحة جدا ههههه
شكرا على ملاحظاتك.
لو فكرت يوما في انجاز فيلم قصير، فصاحب السيناريو بات محددا الآن XD

Rania said...

أراك تشكر من أعجبته أقصوصتك و نقدها و أنا اشكرك بدوري لأني استمتعت حقا بقراءتها... يؤسفني أنّي لم اقرأ قصصا و روايات باللغة العربيّة منذ فترة طويلة و لكن يسعدني كثيرا أن أستعيد القراءة من خلال اعمالك :)

اليوم أكتشف قلما مميّزا و أسلوبا أكثر من رائع !

rasha said...

السلام عليكم والرحمة ..

رااائعة ..

خيب ظني صالح !!! عشان بالصبح كان بيسمع الثلاوة وبيسأل زوجته عما تحتاجه وكله هيبة ووقار :(

وهي دائرة دوارة منه إلى اللي أكبر منه وإلى اللي أقل منه ..

حتى السائق ما أشفقت عليه عشان هو حرف البداية .

شكرا على التوضيع للعملات النقدية :))) .. أسلوبك رائع خصوصا المقدمة بترسم صورة داافئة ومريحة ..
وشكرا جزيلا على الطرح القيم
:)

Unknown said...

شكرا رشا على القراءة :)
أعتقد أن الأمر لا يتعلق بصالح، كما تحدثت عنه، هو لا يعتقد أصلا ان ما يفعله مشين. بالنسبة للمجتمع، هناك أشياء باتت تعتبر حلالا و امرا عادية، بل و لقمة عيش!
و هنا نتحدث عن عقلية مجتمع كاملة. كيف يفكر المجتمع. هذا هو المريع.

شكرا يا رانية، بانتظار اطلالاتك الأخرى في المدونة :)

Anonymous said...

sonya nasnousa light

jamila jiddda

Translate