Thursday, April 30, 2015

عن لغز الحياة

لم يسمَّ "فؤاد" عبثا، فهو يتشكّل في فضاء الدنيا كقلب ضخم، و في فضاء ذاكرتنا كموجة عاتية من العاطفة. لا يملك فؤاد شيئا كثيرا من الحكمة، و لعلّه يملك حكمة لا نفهمها هنا، في ديار الخوف من الحياة. لو ولد في بلاد أخرى، لسمّوه "زوربا". فضخامة جسده قد تمنعه من الرقص، لكنّها لا تمنع روحه من الاهتزاز للحياة.
يندر أن لا يلحظ المرء فؤادا في مجلس هو فيه. فكل شيء في الرجل يعمل بعنف و اندفاع. يضحك بقوة، يعارض بشدة، يعبّر عن احتجاجه أو استحسانه بالعنف نفسه، يمازحك بعينين أغلقتهما ابتسامته العريضة النقيّة.

اِندفاع هذا الرجل نحو الحياة، يشبه اندفاع الماء في الجداول الصغيرة. يغيظ البعض أحيانا، و لكنّه يسعد البعض الآخر. في سبيل لحظات من المتعة الصافية، لا يدّخر الرجل لا جهدا و لا مالا. إنه من أولئك التونسيين الذين لا يتردّدون أمام إغراء البحر، و الرحلة، و الاحتفال. و إنّه من أولئك الذين لا يرون السعادة إلا حين يقتسمها مع أحبابه، و لحسن حظنا كنّا من بين أحبابه... لا حظّ للصدفة إذا، إذ عرفته لأول مرة خلال حفلٍ لكاظم الساهر. كنت صغيرا، و كنت أمنّي النفس بالاستماع إلى كاظم مباشرة، و لم أكن أتخيل أن فؤادا سيحقق لي ذلك، و ربما لم يتخيل هو ذلك أيضا. لا يبدي رومانسية في حديثه، لكنّني أراهن أنه مشبع بها. علاقته بكل ماهو أنثويّ تشي بذلك.

يقدّس فؤاد النساء، كما يقدّس الحياة، أو لعلّه دون وعي منه، يقدّس الحياة التي تمثّلها الأنوثة. طريقة زواجه بدت لي وسط مجتمع محافظ مرعوب من الحب و الحياة، قصة حبّ جميلة و لطيفة. أما علاقته بأمّه المرحومة، فممّا يضرب به المثل في الحب الخالص. حارب فيها الزهايمر و طارد الموت فيها قدر ما استطاع، لكن لا غالب للموت إلا الله. ينتقل كل ذلك الحبّ إلى ابنته الكبرى، تلك التي طار فرحا إذ علم بقدومها، فقد كان دوما يمنّي النفس بفتاة لتكون فاتحة عهده بالبنين. أكاد أجزم أنه كان نسويّا، يدافع عن النساء في كلّ محفل، و لقد كان بيننا سجال (عنيف كعادة الحديث معه) طويل بشأن تفضيله للنساء على الرجال في الكفاءة و العمل.. هل كان رأيه ذلك حذلقة أم تطرفا أم إيمانا؟ أعتقد أنه كان ميلا فطريا للحياة التي تمثلها تاء الأنوثة. كانت خلايا هذا الرجل تنبض بالحياة و لم يكن في ذلك من شك...

فكيف بحق الله القدير، تنقلب هذه الخلايا إلى خلايا موت و دمار؟ كيف تستحيل هذه الخلايا المعمورة بالحبّ و الخصوبة و الاقبال على الدنيا، إلى خلايا سرطانية مدمّرة في شهر و نيف؟ كيف ينقلب هذا الوجه الباسم الساخر الصاخب كأمواج البحار، إلى وادٍ غير ذي زرع؟ رحمك الله يا فؤاد، سنحبّ الحياة مثلما فعلت، و سوف نقبل عليها بنفس اندفاعك و جنونك/حكمتك لأنها السبيل الوحيد للتغلب عليها و على الموت.

1 comment:

Anonymous said...

رحم الله فؤاداً وتغمده بواسع رحمته وأعان زوجته وأهله وطفلته على تحمل الحياة بدون عائلها.
...
.
.
.
لهذا الوجه الملائكي بعض من ملامحك، إلا أنك لست بريئاً البتة - حفظكم المولى جميعاً من كل مكروه وبلاء.

=)

Translate