Monday, July 20, 2009

"وراء كل نجاح عظيم امرأة"

"فتحي! هل نبدأ؟"
"لحظة واحدة، لماذا كل هذه العجلة؟"
"لم أعد أطيق الحرّ... لِم لم أعمل مراسلة في روسيا؟! أف.."
"حسن، سنبدأ العدّ، استعدي."
و تعتدل لمياء في وقفتها، و تتطلع إلى آلة التصوير بذات الحرفية و ذات النشاط اللّذين جعلا منها مراسلة قارّة، رغم حداثة عهدها بعالم الصحافة المرئية.. تقف بجانبها امرأة لا يخفى ارتباكها على عين متفرّسة خبيرة. و كان بيّنا أن آلة التصوير الجاثمة قبالتها هي سبب كلّ تلك اللعثمة المتأرجحة بين عينيها و يديها. و لولا الآلة، لاحتار كل متأمّل في هيأتها في أمر ارتباكها.. قامتها المديدة، شعرها القصير المصفف على طريقة قصّة الولد الشهيرة، الصبغة التي تحجب بياض شعرها المحتمل، الاحمر الذي يحاول جاهدا جعل ابتسامتها مشهدا محببا. و حتّى زيّها الخالي من أية ملامح، كأنّه لباس قوّات البرّ أو حرس الحدود الصحراوية.. كان كلّ شيء فيها يوحي بخشونة و صلابة. و لم تكن ناقلة البضائع الضخمة المنتصبة وراءهما إلا لتزيد الأمور سوءا. فلم يكن من العسير على أيّ طفل صغير يعاني التوحّد أن يدرك من هو آمر تلك الشاحنة و ناهيها..
"هل أنت بخير؟ إننا على وشك البدء."
وبذات الإرتباك المخيّم على سحنات وجهها، يجيب المرأة :"أ.. أجل. أجل. تفضلوا."
و تعالى صوت المصوّر من أمامهما : "أكشن!" علامةً للبدء. فأخذت لمياء نفسا عميقا و شكّلت على شفتيها الخمريّتين ابتسامة عذبة، و قالت بمرح : "سيّداتي، آنساتي! مرحبا بكنّ مرّة أخرى في برنا.."
"stoooooop"
يهتف بها المصوّر و هو يبعد عينه عن عدسة الآلة. فاستدارت إليه شيماء متضايقة، بينما بدا للمرأة أنها صرخة تنادي بخلاصها، فنفخت بقوة و راحت تحرّك قدميها و كأنها تريد التيقّن من سريان الدماء فيهما!
"لماذا تتحدثين و كأن البرنامج موجّه للنّساء فحسب؟"
"لأن البرنامج موجّه للنّساء فحسب. هل تكفيك هذه الإجابة؟"
"و من أدراك أنت يا فتاة؟ صديقي يتابع البرنامج مثلا."
كادت تسأله إن تيقـّن من أنه ليس فتاة، و لكنها لم تشأ افتعال المشاكل منذ البداية.. فاكتفت بقولها : "هذا لأنه صديقك، يريد فقط رؤية براعتك في التصوير.. و صدقني، أنت بارع جدّا ما دمت تهتمّ بعملك و تترك أعمال الآخرين و شأنها!"
كانت لهجتها عصبية، و كان كلامها سريعا مكثفا كرذاذ المطر، فقط لو كان بذات اللطف! لكن ذلك لم يعد غريبا على مسامعه، فقد صوّر معها أكثر من مرّة و في كل مرّة يزداد اقتناعا أنّ النساء لا يصلحن لهذا العمل.. ربّما كان من الأنسب بقاؤهنّ في أستوديوهات التصوير المكيفة المترفة، و تمتيع النظارة الكرام بوجوههن الرّقيقة و سيقانهنّ..
"نحن مستعدّتان!"
"لحظة واحدة!"
و بينما انهمك هو في اعداد الشريط، كانت ميساء تقول للسيّدة في عصبيّة :" هكذا هم دائما! يحشرون أنوفهم في كلّ شيء! في المرّة القادمة سأطالب بالعمل مع فتاة. صدقيني! الرجال لا يصلحون إلا لفرقعة أصابع أقدامهم على الأرائك في المنزل.. لم تعد الحياة تحتمل وجودهم.. هل تعلمين؟ لقد قرأت مؤخّرا كتابا يتحدّث عن تطوّر الجنس البشري. يؤّكد مؤلّف الكتاب أن الجنس الذكري لم يعد أساسيا و أنّ الانتقاء الطبيعي سيتخلّص منه في الدورة القادمة!"
تقول ذلك بذات السرعة التي انقلبت بها سحنتُها من العصبية إلى الحماس، و كـأنّ ما تفكّر فيه قد حدث بالفعل. و كادت تهتف إنّها تحلم بالسفر إلى المستقبل كما في أفلام الخيال العلميّ، لولا أن سمعت هتاف المصوّر يدعوهما للاستعداد."
"هل ستتجاهلين المشاهدين الذكور؟"
"أجل."
لم يبد اهتماما بإجابتها و لا بابتسامتها الجذلة، و إنّما وضع عينه أمام عدسة المصوّرة و أشار بيديه إيذانا بالبدء، لكنّه سرعان ما توقّف متسائلا:" أيّة معتوهة هذه؟! قبل ثانية كانت تنظر نحوي في ابتسام، و الآن هي تتحدث مع السائقة كأنها في منزلها!"
و بينما كان يتساءل عن أيّة فكرة حمقاء يتحدّثان، كانت ميساء تسأل السائقة و هي تحاول التأكد من تصفيفة شعرها الأشقر بيسراها:" بالمناسبة، هذه الـsemi remorque، كيف نسميها بالعربية، أنت تكتبين حتما هذه المفردات في الأوراق الرسمية، أليس كذلك؟"
"كلا، أعمل لشركة خاصة، لذلك فهم يستعملون الفرنسية، لكن يمكنك استعمال مصطلح ناقلة بضائع. هكذا يسمونها في الفضائيّات."
و نظرت إليها و هي لا تزال تعبث في شعرها، و أضافت : "ألم يكن من الأجدر أن تبحثي في هذه الأمور قبل إعداد التحقيق؟"
" هل من مشاكل في التصفيفة؟ خصلة في غير موضعها أو ما شابه ذلك؟"
حدّقت في وجهها السائقة مستغربة، متسائلة في قرارة نفسها :" هل كانت تستمع إلى ما أقول؟!"
ثمّ إنّها قالت بسرعة مخافة أن تنتقل الفتاة بمخيّلتها إلى عالم آخر :" أجل جيّدة، لا عيوب، لا أخطاء، هل نبدأ؟"
و استدارتا إلى المصوّر الذي كان ينتظرهما بدوره. فأشارت هيفاء بيدها أن كلّ شيء على ما يرام، فهتف :"أكشن!"
"سيّداتي، آنساتي سادتي! شكرا لكم على متابعتكم لبرنامجكم الأسبوعيّ : وراء كل نجاح عظيم امرأة! حلقة اليوم سوف تروي لنا قصّة نجاح من نوع خاص جدّا نجاح أنثويّ في ميدان كانت الكلمة الوحيدة فيه، كلمة جافـّة غليظة! كلمة ذكوريّة تحديدا. لكنّ المرأة في بلادنا أبت إلا تحديَ كلّ تلك القيود و كسرها! اليوم يا عزيزاتي لو شاهدتنّ شاحنة.. شاحنة .. semi remorque كهذه، فلا تستغربن أن ترين امرأة خلف مقـ... fu** ! لماذا توقـّفت عن التصوير؟"
كانت صرختها هادرة و قد انقلب كل حماسها إلى غضب عاصف.. و لم يجد هو بدورها إلا أن يصرخ :"و لكنّك لم تخبريني مسبقا بنيتك في تصوير الشاحنة! كيف تشيرين إليها بتلك الطريقة المفاجئة؟!"
"و الذي كان سيغيّره أيّها العبقريّ؟ هل تحتاج إلى خارطة طريق لترفع الآلة شبرا إلى الأعلى؟"
"كلا يا آنسة! و لكن من الغباء تصوير الشاحنة من تلك الزاوية!"
و قبل أن تجيبه، كان هو يضيف في صرامة :" و هذا هو عملي على ما أظن!"
عاصفة تعبث بها من الداخل، و لم يكن أحد بحاجة لسماع ردّها حتّى يدرك ذلك. لكنّ المصوّر ظل يرمقها بصرامة حتى أشاحت بوجهها عنه، و ابتعدت عن ضيفتها بضعة أمتار.. ربما لتلتقط أنفاسها و تسب كل شيء تعرفه دون أن يسمعها أحد..
غمغم المصوّر في حنق :"حمقاء ككلّ النساء."
و قالت هي في سخط:" وغد! ككل الرجال!"
بينما ظلّت الضيفة حائرة فيما ستفعل. في النهاية، قدّرت أنّ تهدئة الخواطر قد يكون مفيدا. فاستدارت إلى الصحفية الشابة، و قالت لها :" هوّني عليك. هيا، لننته من كلّ هذا. تعالي."
و تجذبها من يدها متضاحكة محاولة صنع شيء من المرح في المكان. و أسرّت لها في ودّ:" لو تعلمت شيئا من هذه المهنة، فهو الصبر حتما! لا يمكنك تخيّل عدد الكيلومترات التي قطعتها وحيدة، و لم يكن بوسعي إلا أن أصبر."
ثم تستدير إلى المصوّر و تهتف :"ما رأيك بهذا المكان؟"
تطلّع عبر عدسة التصوير إلى حيث تقفان ثم أومأ برأسه موافقا.
"أف. أخيرا رضي عنّا الخليفة!"
انتظرت منها السيدة خطابا جديدا عن الرجال الحمقى، و لكنّ المراسلة الشابة اكتفت بتلك العبارة، ثم غيّرت لهجتها تماما و هي تسأل :" هل حفظت جيّدا ما ستقولين؟ اسمعي، لا أريد تلعثما و لا مساحات من الصمت. تحدّثي بلهجة الواثق. أريد من المتفرج أن يلتصق بكرسيه من الرهبة و الاحترام!"
"اه، أرجو ذلك، و لكن.. اسمعي، من الضروريّ أن نبدأ الآن، فقد نفذ صبره."
لم تقل ذلك للضغط عليها أو تخويفها، بل هي تعلم أنّ كل ذرّة غضب تسبح بين قلب المصوّر و روحه، هي قناطير من السعادة تسري في شرايينها، هكذا هي دوما كيمياء البشر، سعادة بعض على حساب بؤس الآخرين، و ما من قوّة ستخل بذاك التوازن يوما. لكنّها اليوم، لا ترى في ذلك التوازن أمرا مسلّيا، لذلك قاطعت المنشطة لاسكاتها و الإسراع بالبدء. إنّ وقت رحلتها قد تأخّر...
و تشير سناء إلى المصوّر بحركة سريعة عصبيّة، و تتسمّر في مكانها كأنها على وشك الانطلاق في سباق عدو سريع. و بمجرد أن أنزل المصوّر يده إيذانا بالبدء، عادت كل جوارحها للعمل دفعة واحدة، و في تزامن طريف أثار دهشة ضيفتها.
كانت تتساءل أيّة كتلة من النشاط تملكها، و أيّة روح تحرّكها؟ و خمّنت أنّ تركيزها منصبّ أساسا على الحفاظ على ابتسامتها رغم كل الشد العصبيّ، و أيضا على الكلمات التي أعدتها مسبقا فلا تنسى منها حرفا، لذلك فقدت المسكينة أيّة قدرة على السيطرة على يديها و وسطها. و بدا لها أنّ خاصرة الصخفيّة قد سرحت بخيالها إلى حفلة زفاف أو ما شابه! لحظة. لِم توقف كل شيء عن العمل دفعة واحدة؟ حدّقت في المكبّر الممتد إلى شفتيها، ثم نظرت إلى الصحفية و لسان حالها يصرخ :"اللعنة! لم أسمع سؤالها!"
ثم تذكّرت أنها تعرف ما عليها أن تقول.. ما أهميّة السؤال إذا؟!
"أقود هذه الناقلة منذ 3 سنوات تقريبا."
"جيّد، و هل يعني ذلك أنّك من أصحاب الخبرة؟"
"كلا، و لكن الشركة تثق بي.. هناك من يعمل منذ نحو 15 سنة.."
"و لكنّه لا يحظى بذات المنزلة التي تحظين بها، أليس كذلك؟"
"الأمر لا يتعلّق بالمنزلة، لاحظي أنّنا نتحدث عن مجرد سوّاق شاحنات نقل."
ثم إنّها توقفت عن الحديث و قد لاحظت أن في عيني الصحفيّة أن أمرا ما على غير ما يرام. و كان توقفها كافيا لتحسم سناء أمرها و تدعو فتحي لإيقاف التصوير، ثمّ تنفخ في حنق علّ ذلك يذهب بشيء من توتّرها و نفاذ صبرها. ثم إنّها ابتعدت عن ضيفتها في خطوات سريعة..
"الحمقى! لا يجيدون فعل أيّ شيء."
قال ذلك فتحي و هو يتابع المشهد من بعيد. ثمّ إنّ أمرا خطر بباله و هو يتابع حركاتهما، فألصق عينه بعدسة الآلة و هو يقول :"لنكمل التصوير من دون صوت، سأعد مقطع حماقات يكسر كبرياء تلك المغرورة. و سأضحك عليه رفقة وسيم كثيرا."
و ضحك في جذل قبل أن يتابع و محاكيا صوت زميلته بطريقة كاريكاتورية ساخرة :" ألم أقل لك أن تتركي قارورة العطر هذه و شأنها؟ كيف سأقابل صديقي اليوم؟ هه؟ كيف سأقابله؟" ثم غيّر نبرة صوته لياحكي صوت السائقة الأجش و قال :"لا داعي للعطر، فهناك دوما رائحة سيشتمّها. ثم إنّك التهمت آخر ما تبقى من أحمر الشفاه الذي أهدانيه صديقي.. إذا كان صديقك معدما لا يقدر على الذهاب إلى فرنسا، فلا داعي لإتحافه بالعطور."
ثم انفجر ضاحكا و قد راقت له المزحة، و فكر في أنه من الممكن أن يعد حوارا أكثر طولا و أكثر امتاعا. ربما لو أضفى شيئا من السوقية على الموقف، ستضحك الشلة طويلا هذا السبت. على الأقل سيكون الأمر أفضل من هذا التحقيق السخيف الذي تسعى هذه الصحفية عبثا إلى إتمامه. و تذكّر أنه اختار العمل معها بمحض إرادته، فأطلق سبابا سوقيا ساخطا..
" لم يكن جمالها يوحي بكل تلك العجرفة التي تبرهن عليها كلماتها. اعتقدت أن الأمر سيكون مشابها لما حدث مع دليلة.. يا حسرة على أيام دليلة.. و لياليها!
و شرد مع دليلة، حتى إنه لم يسمع شيئا من صراخ أسماء يدعوه إلى التركيز. و حينما تفطن، كانت الصحفيّة قد اقتربت منه كثيرا. حينها، علم أنّه سيسد أذنيه في اللحظة التالية رفقا بهما! لكنّه رغم ذلك سمع هديرها الغاضب :
"إسمع يا سيد! هناك ألف شخص يريدون العمل معي، و لو أنّك عازم على قضاء اليوم... لا تضع أصابعك في أذنيك حين أكلّمك! سأكتب فيك تقريرا! سأقضي على حياتك المهنية بجرّة قلم! و لسوف تندم كثيرا!"
"كنت أعيد الشريط إلى الخلف، و لا داعي للصراخ."
"و لماذا تعيد الشريط؟ أترك كل شيء مسجلا، فسأحتاج إلى ذلك لمراجعة أخطائي."
فابتسم في سخرية و قد فكر أن يقترح عليها تصوير كل حياتها، فهي كمية من الأخطاء المتراكمة. لكنه آثر أن يحتفظ على حياتها لبعض الوقت. موتها بفعل الغضب ألطف ممّا تستحق! هكذا فكّر، و لذلك أجاب:" لن يكفيَك الشريط على أية حال."
"و لِم لم تحضر ما يكفي من شرائط التيجيل؟ أي احتراف هذا؟"
"معك حق! لكنهم أخبروني أنني سأعمل مع محترفة! لن أقع في هذه الخدعة مجددا، أعدك!"
طبعا لو أجابته، فستنفجر حنجرتها، فأعصابها لم تعد تتحمل.
و ابتعدت بخطواتها الواسعة العصبية، و هي تقسم بكل عزيز عليها أن تكلّفه وقاحتُه مستقبلـَه.. و جال بخاطرها أن احترامها لعملها سبب لها مشاكل كثيرة.. لقد كان من السهل على فتاة بمثل جمالها و ذكائها أن تنشط إحدى حصص الميوعة التي يشاهدها الناس كأنها الأفيون.. كان يسيرا عليها أن تعمل جارية إعلامية و تربح أموالا طائلة دون أن تحترق أعصابها. و لكنّها اختارت الثنيّة الوعرة، و هي تعرف جيّدا ما ينتظرها!
إنها تعرف كم الرجال الذين سيحنقهم نجاحها، و تعرف أنّ هذا المصوّر المعتوه المتخاذل لن يكون إلاّ مثالا مبسطا عمن تخفيهم الأقدار!
الغريب أن هذه الأفكار أثلجت صدرها، و كأنها تجاوزت هذه الصعاب بالفعل، و بلغت المجد الذي تبغيه. كان احساسها بقوّتها و قدرتها على التحدي يريح أعصابها و يمحو كل أثر لما حدث منذ لحظات. و أكملت الأمتار التي تفصلها عن السائقة بقفزتين استعادت بهما تركيزها، و قالت لها في اهتمام :"هيّا يا سيّدتي، لننته من كل هذا، إسمعي، ركزي أرجوك و لا ترتجلي. لنتّبع ما اتفقنا عليه منذ البداية."
"و لكن يا ابنتي، تعلمين أنني لم أجد وقتا كافيا لأحفظ كل ذلك بالحرف. أحاول ما استطعت و لكن .. و حتّى الأجرة، فلا أخال أنني سأحصل على أجرة ممثلين."
"أجرة؟ أية أجرة؟"
و تعالى صوت المصوّر يهتف :"هاي! ألن نبدأ؟"
كانت حسناء قد أدركت من نظرات ضيفتها المتفاجئة الجزعة أنها وقعت في ورطة بتساؤلها، لذلك أسرعت تقول :"هيّا، خذي نفسا و لنبدأ."
"أكشن!"
"سيداتي آنساتي سادتي، مرحبا بكم مرّة أخرى في برنامجـ..."
"اسمعي، لقد اتفقنا أنني سأنال أجرا!"
و ينقطع التصوير مرة أخرى، و تنفخ حسناء في غضب، بينما علّق فتحي في سخرية و شيء من الشماتة :"من الواضح أنّها ستمضي ليلة عصيبة جدا!"
أما السّائقة، فلعلها أحسّت بأنها أخطأت التوقيت.. لكنّ عيني الصحفيّة كانتا تشيان بالغدر، و هي تعرف هذه النظرات جيّدا، عرفتها في كل مكان تقريبا و في كل مرحلة من مراحل حياتها المليئة بالآلام. لذلك، فهي لم تعد مستعدة لتحمل المزيد، و لذلك أيضا، بات من الأفضل التعويل على شعار "الوقاية خير من العلاج".. كان من الضروري أن يكون كل شيء واضحا منذ البداية.. ثمّ لحظة واحدة.. إنها لم تتسبب في انقطاع التصوير إلا هذه المرة، و على كل حال فهذا لا يهمّها في شيء تقريبا، فهم الذين يبغون التصوير و ليس هي!
كان كل ذلك حافزا قويا كي تستعيد ثقتها بنفسها، و تواجه الجميع بموقفها. ها هي ذي تقول بصوتها الغليظ الفظ :"من حقي أن يكون كل شيء واضحا منذ البداية، لا أريد تفاصيل غامضة، هذا أقرب للسلامة!"
"و ما الذي تريدينه واضحا بحق السماء؟ ألم نتفق على كل شيء منذ البداية؟"
"أنا لا أضمن أن آخذ مستحقاتي عن التحقيق."
"و كيف تريدين هذه الضمانات؟ أن نوقع عقد عمل مثلا؟ ماذا نكتب؟ عقد في استجواب صحفي؟ أي حديث هذا الذي تتحدثين به؟"
أسقط ما في يد المرأة و لم تجد إلا أن تسكت و تحاول إقناع نفسها بأن كل شيء سيسير على ما يرام. و فكّرت في ما يمكن أن تفعله لو غدر بها، فبدا لها ذلك مريعا مرعبا! ثم شحذت حزامها بعنف و قوّة و كأنها تحاول الاطمئنان على صلابتها، أو كأنها تستمد كل قوتها من ذلك الحزام المتين، و راحت تنتظر الصحفيّين لإنهاء الأمر..
كان ثلاثتهم هذه المرة مقرين العزم أن ينهوا العملية الآن، لا داعي لقطع التصوير، لا داعي للتنبيه للأخطاء، سيتكفل التركيب بستر كل العيوب، و حجب كل المشاكل.. المهم الآن إجراء الحوار! و لم يدرك أحدهم أنهم قالوا في تزامن مدهش :"سأنتهي من هذا الآن!"
قالوا ذلك سرّا دون أن يتخيّل أحدهم أنّ العزائم وحدها لا تقضي الحوائج، و أن هناك أمورا قد لا يكتب لها أن تتحق مهما جاهدوا. هل تراهم أدركوا ذلك حينما سمعوا هديرة آلة ضخمة تقترب؟ أم أنهم اكتفوا بالتحديق في المركبة الصفراء في ذهول و هي تقترب نحوهم في بطء مستفز؟!
"ستواصل طريقها إلى مفترق الطرق القادم!"
لكنه كان يعلم أنّها لن تفعل، كان يعلم أنّها ستقف بالضبط حيث يعملون، و أنّ أحدهم سينزل ببذلته الرمادية المقرفة و يقول لهم :"ستجري أشغال هنا!"
و قبل أن تتدخل حسناء، اندفع هو نحو عون البلدية لإنقاذ المذبحة التي قد تحدث. فجذب الرجل إليه و كأنه يعرفه منذ زمن، و قال له في هدوء و مودّة مفتعلة :"اسمع يا أخي، نحن صحافة، نحاول أن نجري حوارا قصيرا ثم نمضي و شأننا، لن تنتظروا كثيرا. صدقني."
لكن العون بدا كآلة لم تلقّن غير تلك العبارة الجافة :"ستجري أشغال هنا!"
"دقيقة يا رجل، لن تضير أحدا!"
"ستجري أشغال هنا!"
ربّما شيء من المال قد يعيد له انسانيّته. فكر في ذلك و هو يشير إلى حسناء بيده أن آتي بالمال. لكنّها زفرت في عصبيّة و اندفعت نحوهما صارخة :" اسمع أيّها العون! أنا أؤدي واجبا وطنيّا، و ليس من حقّك منعنا!"
كانت عبارتها أشبه برصاصة الرحمة على حلم انجاز التحقيق، فقد أشاح فتحي بوجهه في يأس، بينما أشار العون إلى رجاله بالنزول و هو يكرر بلهجته الآلية :"ستجري أشغال هنا."
"اللعنة!!!"
لكن بات من الواضح أن اللعنة قد حلّت بها لا بأعوان البلدية، و أنّ تحقيقها بات مهددا أكثر من أي وقت مضى..
"ماذا أفعل الآن؟"
ذلك التساؤل المقيت، الذي لا يتبادر إلى ذهن المرء إلا رفقة موجة يأس مرير، و تيّار قارس من العجز و القهر! لا للدموع الآن.. لا للضعف أمام هؤلاء الحمقى.. سأجد حلا حتما، المرأة لم تخلق أبدا لتكون ضعيفة.. المرأة وهبت الذكاء لتتجاوز هذه المصائب الذكورية.. يا لحماقتهم! يا لحماقتهم! الا يفهم أحد معنى التحقيق الصحفي؟ هؤلاء الأوغاد! كل حماقة يقترفونها تفوح برائحة التيستوستيرون العطنة!
"ماذا نفعل الآن؟"
و الآن يسألون ما العمل! يا للأوغاد!
و استدارت إليه و هي تفكر في صب جام غضبها و حقدها على أذنيه الكبيرتين، لكنّ سائقة الشاحنة سبقتها بالقول "اركبوا معي الشاحنة، يمكننا أن نبتعد قليلا، فهناك طريق جانبي لا تطاله قدم إلا في ما ندر."
أحنقها أن لا تنفّذ في المصوّر ما عزمت عليه، و خيّل إليها أن فكرة السّائقة سيّئة، لأن هذا المكان هو أفضل ما يمكن الحصول عليه. أمّا المصوّر فقد قال :" و لِم نصطحبك في الشاحنة؟ يمكننا أن نتبعك بالسيّارة."
"لا أدري.. نسيت أمر السيّارة."
و لكنّ نجلاء فكّرت في أمر آخر تماما، و كان جليّا من بريق عينيها أنّها طربت كثيرا لما دار بخلدها! و من دون سابق إنذار، هتفت في وجه مصوّرها :"لأنّك لا تحسن التفكير أبدا يا فتحي! سنصوّر داخل الشاحنة! سنجري الحوار داخل الشاحنة! و هكذا لن يقطع حتى رئيس الجمهورية حوارنا!"
حاول التظاهر بعدم المبالاة، و لوّح بيده و هو يقول :"فكّرت في التصوير داخل الشاحنة في نهاية التحقيق، أردت شيئا من التنويع و لكن.. كما تشائين. المهم أن نخلص من الأمر بسرعة."
"ها! هكذا أنتم دائما! تفكرون في كل شيء، و لا تقولون شيئا لاثبات ذلك! يا للكبرياء الزائف!"
ثم استدارت إلى ضيفتها و هي تقول :" هيا! إلى الشاحنة!"
تبعتها في رضا إلى حيث المركبة الضخمة، و دعت في سرّها أن ينتهي الأمر سريعا، فقد تأخّرت بعض الشيء عن موعد رحلتها..
و تفتح أبواب الشاحنة لثلاثتهم. كان داخلـُها على قدر من السعة. على الأقل، كان كافيا لتحمّل عملية تصوير بتلك الآلة الكبيرة. و جلست نجلاء حذو السائقة و هي تتأمّل المكان كأنها تدخل إلى دار جارتها لأوّل مرة... لا يمكن وصف هذا الفضاء بالانوثة حتما، عكس سيارتها حيث يطال الأزرقُ السماويّ و الورديُّ كل زاوية، و كل مقعد.. لكن نظافة الشاحنة و حسن ترتيب الأغراض فيها، تشيان بأنّ امرأة مرّت من هنا.. لو أن رجلا كان سيّد هذه المركبة، لكانت رائحة التبغ خانقة فيها..
وراء المقاعد كانت هناك مبرّدة صغيرة تفي بغرض الاحتفاظ على سلامة الأغذية لبرهة من الزمن. و بجانبها غطاء صوفي لعلّها تحتاجه ذات ليل موحش البرد.. مجموعة من الأشرطة الموسيقية التي لا توحي بميل إلى لون موسيقي ما بقدر ما تفضح حاجة السائقة إلى شيء من الضجيج المرتب.
و خطر للفتاة أنّه كان حريّا بها أن تجلب معها بعضا من أشرطتها، تضعها فوق هذه العناوين السخيفة حتى تحيل على شخصيّة أكثر انفتاحا و روح أكثر جمالا. و لكن ذلك الوغد كان قد جلس بحذوها و أغلق الباب و معه كلّ أمل في التراجع... لا بأس، الحوار هو أهم شيء الآن، و فيما بعد سنهتم ببقيّة التفاصيل.
و استدارت تقول لمصوّرها بلهجة عمليّة :"أعدّ الآلة، سأبدأ بالحوار مباشرة، و فيما بعد سنهتم ببقيّة الأمور."
فأجابها وسط هدير الشاحنة التي بدأت تشق طريقها بعيدا عن أعين رجال البلدية و كؤوس الشاي التي يرتشفونها قبل بداية العمل:" أعيدي مراجعة الأسئلة، كي لا نضطر إلى قطع التصوير إذا. فالعصبية تنسينا الكثير لو تعلمين."
"هذا ليس من شأنك."
و استدارت إلى السائقة تقول :"هل أنت مستعدة؟"
"أجل، أمهليني حتى نخرج من المنعرج و نستقر على سراط مستقيم."
تأمّلتها غيداء في إعجاب و هي تخرج من المنعرج الضيّق بسلاسة و مهارة. كانت تجلس جلسة السيد الواثق من نفسه، و كانت قبضتها على عجلة القيادة تشبه قبضة الخلفاء على عصا الحكم. إنه عالمها، و إنّها فيه لملكة!
و لكنّ إعجابها لم يدم طويلا. ها هي ذي تفسد كل شيء باقتراح أحمق :"ألا تعتقدين يا آنسة، أنّ هذه الأتعاب الإضافية، من حقّي أن أؤجر عليها نقدا؟"
"ربما، و لكن لِم نتحدث عن هذا الآن؟ لنؤجّل المسألة إلى ما بعد."
"لا. لا تأجيل بعد الآن، اسمعي، أريد كل شيء واضحا الآن!"
"ما الذي تريدينه واضحا؟ هه؟ هل نحن نصابون؟ ا ُنظري إلى هذه البطاقة! تأمليها جيّدا!! نحن صحافة، و قناتنا محترمة جدا، و لا داعي للإهانات يا سيّدتي."
"و منذ متى كان الحديث عن الحق إهانة؟"
"يا سيّدتي، الفتاة تريد أن تشحذ كل تركيزها لإدارة الحوار، و هذا كل ما في الأمر. و فيما بعد أضمن لك أن لا تهضم حقوقك."
كانت هذه قولة المصوّر، و كان من الواضح أنّ لها تأثير على السائقة و الصحفية، فقد صمتت كلتاهما و كفتا عن النقاش المحموم. أما هو، فقد رفع آلته و حام بعدستها في أرجاء المكان، ثم قال بهدوء:"استعدا."
ثمّ وجهها إلى زميلته قائلا :"أكشن."
فشكلت ابتسامة العادة و اندفعت تقول :"نحن الآن داخل الشاحنة، نصطحب السيّدة صابرين و هي تقوم بعملها الشاق.. سيّدة صابرين، ألا ترين أن هذه المهنة عسيرة على النساء؟"
"أنا أعمل سائقة منذ نحو 3 سنوات. لم أتعرّض لأية صعوبة مهنية، رؤسائي فخورون بي، و أنا محل ثقة كبيرة."
"تعتبرين نفسك من أصحاب الخبرة؟"
"الأمر لا يعتمد كثيرا على الخبرة.. هناك من يعمل .."
و صمتت و هي تتأمل حركة شفاه غيداء التي كانت تحاول أن تسرّ إليها بالكلمة. اللعينة، لقد سألت هذا السؤال من قبل، و هي تريد أن تتدارك بشيء من الارتجال! ألم تقل إن الارتجال ممنوع؟ أه! هي ذي الكلمة. و تابعت و قد أدركت ما تعنيه الصحفية :"
"هناك رجال يعملون منذ نحو خمس عشرة سنة، لم يحظ أحدهم بذات الثقة التي أحظى بها.. توكل إليّ عادة نقل بضائع على غاية في الأهمية.." و عادت تتأمل في شفتي الفتاة قبل أن تضيف ببطء:" أكثر أهمية من... من أن ينقلها هؤلاء الرجال!"
"و لكن مهنتك متعبة حقا، أليس كذلك؟"
"ربّما، و لكن أعتقد أن كل المهن متعبة. ما ينسينا التعب هو حب المهنة! لقد اخترت مهنتي عن طواعية و حبّ، و هذا أهم ما في الأمر. من النادر أن توفر لك مهنة ما، كل هذا القدر من الجمال الطبيعي.. ألا تشاهدون الحياة عبر النافذة؟ ا ُنظروا مليّا!"
"أ لا ترين أنّك كامرأة تعمل في هذا المجال، تتحدين نواميس الطبيعة؟"
"أعتقد أن الرجال هم من يتحدّون نواميس الكون بالعمل في هذا الميدان! هذه حياة جميلة فيها ما فيها من المشقة، و لكنّها تناسب النساء! إن كذبة ضعف المرأة يجب أن تتلاشى إلى الأبد."
"ألا ترين أنّ تميّزك عن الآخرين يجعل من حقّك المطالبة بزيادة في الأجر؟"
"ربما... أعتقد أنه من الصعب أن ندرك في هذا العصر أن المرأة تتقن عملها بشكل أفضل من الرجال. نحن لانزال نعتبر مساواة الجنسية في الأجر هديّة ضخمة تقدم للمرأة، لا حقا مشروعا!"
ثم إنّها صمتت و قد بدا أنها تفكر في أمر ما، أو أنها مترددة بشأن أمر ما. و فجأة أوقفت الشاحنة و قالت لهما بهدوء :"أريد أجري."
حدّقا في وجهها مندهشين، لثانيتين أو يزيد، ثم أوقف المصوّر آلته و هو يلعن في سرّه. بينما صرخت زميلته في سخط :" لماذا توقفت؟ لقد كان ذلك رائعا!"
"لذلك أريد أجري. لأنه كان رائعا! اريد أجري الآن، و إلا فلا داعي للمواصلة!"
"و لكن، أي أجر تريدين بحق السماء؟! أنت تؤدين عملا مقدّسا! ألا تشعرين بالفخر و أنت ترفعين من مكانة المرأة؟ الا تشعرين بالفخر و أنت تثبتين أننا قادرات على اقتحام أيّ مجال بنجاح و ثقة؟ ألا تشعرين بالفخر و الرضا و أنت تثبتين للعالم كله كم أن مهنتك ممتعة؟"
"أيتها الصبية البلهاء! من أي عالم أنت؟ أين المتعة في سياقة أطنان الحديد هذه لأميال و أميال! كلما قطعت ميلا أوهمت نفسك أن الميل القادم هو الأخير، و لكن هيهات! وحيدة كذئب، معذبة كالمساجين، منعزلة كأهل الكهف! مقضي عليّ أن أقودها فلا أخرج منها إلا لقضاء حاجة أو شراء أكل.. أي متعة في الاقتيات من هذه القاذورات؟!"
قالت عبارتها الأخيرة و هي تدفع بالمبرد الصغير بما فيه من خبز أو بقايا خبز، و صحن زيتون و زبدة تجاهد عبثا كي تظل متماسكة، محتفظة بخصائصها الفيزيائية.. و ظن الصحفيان أنها ستكتفي بكلامها، لكنها واصلت قائلة :"هل تعتقدين أنني أعمل هنا لأثب هذا الكلام الفارغ الذي تهذرين به؟ هل تريدين أن تعرفي حقّا لِم أعمل؟ هل تريدين أن تعرفي؟ لقد كان زوجي سكيرا يا آنسة، أصحاب السوء لم يتركوه و شأنه, و أبوا إلا أن يجعلوه سكيرا مثاليا، يتدبر المال ليذهب به إلى الحانة! بينما عائلته تتضوّر جوعا! هل عشت أمرا كهذا أيتها الصغيرة؟ لقد كنت أختلس النقود اختلاسا كي أعيش، و حين ينهض، يضربني بشدة، يلقي على ظهري كل الآلام التي تلقاها من صعاليك حانته. لقد قتل كل ما فيّ من أمل في عيشة هانئة البال، و لم يعد لديّ ما أخسره. هكذا تفطنت إلى جثتي الضخمة، و يدي الغليظة، و هكذا علمت أنه مع حالة السكر الدائمة التي كان عليها، بإمكاني أن أدافع عن نفسي! هل رأيت امرأة تضرب زوجها؟ كنت أضربه مساء، و أبكيه صباحا! كنت أفتك ماله افتكاكا حتى أقتات أنا و ولدي. و بات هو أضحوكة بين رفاقه. هل عشت في عالم كذا معالمه يا آنسة؟ لقد تسببت في مقتل زوجي بدفاعي عن نفسي! ضاق ذرعا بالمهانة، و افتعل شجارا لينقذ شيئا من رجولة بالية، فوقع قتيل زجاجة خمر مهشمة..



هل تعرفين يا آنسة، ما الذي وجب أن تفعله امرأة مثلي لتعيش مع ابنها؟ تجوب الشوارع بحثا عن عمل.. فكرت أن أعمل مشروعا بسيطا بما تبقى بحوزتي من مال، لكن أي مشروع سينجح بذلك القدر الضئيل من المال؟ هكذا تدخل أحد الجيران لينقذني. عرض عليّ أن أتعلم سياقة الشاحنات الثقيلة بالمال الذي أملك، و ضمن لي مكانا في الشركة! أتفهمين الآن لِم أعمل؟ أتفهمين هذه الأشياء؟
إنني أعمل من أجل ذلك المعتوه ابني! أعمل من أجله كي يعيش و أنا أعلم جيّدا أنه ما من أحد في المنزل اليوم ليحرص على تربيته.. و أنا أعلم أنه سيكبر يوما ليصبح مثل أبيه صعلوكا! لكن ما باليد حيلة.. يجب أن أعمل لنعيش!
هل تعتقدين أنني أعمل من أجل العمل، و حلاوة العمل، و هذه الخزعبلات التي تملؤون بها شاشاتكم؟ اريد فقط مالا لأحيا! و لو وجدت رجلا نذلا سيّء المعاملة، متعجرفا له مال لما رفضته إطلاقا، فهو على الأقل سيوفّر لي فرصة البقاء بجانب ولدي و إنقاذه من الانحراف! أتفهمين الآن ماذا أريد؟ أعطني المال!"
"أعطها المال يا ابنتي!"
قالها المصوّر في محاولة لإنهاء هذا المشهد الدرامي الذي وجد لنفسه طريقا بينهم. لكنّ الصحفيّة و قد اشتدّت عصبيّتها صرخت :"أرفض بيع مبادئي!"
"إذا فانزلا."
"و لكن..."
"انزلا!!!!"
هذه المرة كانت الصرخة مريعة أفهمت الصحفيّين أن السيدة صابرين محل ثقة بالفعل! ها هي ذي تستل عصا غليظة من تحت مقعدها! لقد انتهى النقاش إذا!
و ينزلان و قد و امتقع وجهاهما من الذهول و الصدمة، بينما أطلقت المرأة سبابا ساخطا و واصلت طريقها مبتعدة..
و على حافة الطريق، جلس الصحفيّان يتابعان الشاحنة المبتعدة ببصرهما. ثم قال فتحي:" أهذا وقت مبادئ؟"
"أرفض أن أدفع مالا من أجل حوار صحفي!"
"و لا ترفضين فبركة الحوار."
"لن تفهم الأمر أبدا!"
"ربما، و لكنني صوّرت كل شيء، لو تحتاجين إلى عملية تركيب متقنة."
"سأعد سيناريو وفقا للقطات التي لدينا. الحمقاء، تعتقد أننا سنقف منتظرين عطاياها."
"حسنا، و لكن السيّارة بعيدة، و سنضطر للذهاب راجلين."
فأطلقت سبابا سوقيا بالفرنسية و هي تهتف :"انتظرني."




تمت بحمد الله
فاروق الفرشيشي
19.06.2009

17 comments:

Mahassen said...

C'était vraiment un plaisir de lire cette nouvelle , légère et réaliste comme on aime la littérature moderne. 
Peut être un peu perdue au début par la variation du nom de la journaliste, ze comprends pas la raison ,peut être pour dire qu'on s'en fou pas mal de l'identité de cette personne névrosée et obsédée par son propre sucées et souligner que c'est pas elle le personnage principale de la nouvelle ou bien c'est le "grain de folie" de l'écrivain et sa signature personnelle ;)
J'ai adoré le propos de la conductrice , c'est vrai que c'est le malheur de plusieurs femmes actuellement, on travaillent pas tjr pour s'affirmer mais parce qu'il s'agit d'un combat, et après tout même si on a un travail de rêve , un avenir promettant, il reste tjrs ce regret de ne pas pouvoir se consacrer comme il le faut pour nos familles et pour la bonne éducation de nos enfants, ne pas tjr pouvoir être présentes qu'on ils en
!!! ont besoin
Bref encore chapeau bas pour ce chef d'oeuvre ;)
C'est un plaisir de savoir qu'ils existent tjr des personnes qui aiment s'exprimer et faire partager leurs opinions par l'écriture

Unknown said...

أبحث عن إجابة أجيب بها، فلا أجد شيئا تقريبا. ملاحظاتك ذكية، و في محلها. يسعدني أن تجدي أسلوب كتابة الأقصوصة ممتعا، أو لنقل خفيفا، فهو رأي لم يره كثيرون لأكون صريحا، و لكن لا يمكنني الحكم على ذلك فلست القارئ ها هنا.
عودينا يا محاسن، و ستجدين دوما ما يسرّ إن شاء الله :)

Unknown said...

الأقصوصة طريفة حقا أسلوبا و مضمونا ولا تحسب رأيي هذا من قبيل المجاملة بل هو اقرار بموهبة و بقدرة على الإبداع و الابتكار تعود إلى سنوات خلت عندما كتبت مسرحية حول تاريخ الأندلس .
إن الاقصوصة تطرح جملة من القضاياالواقعية لعل أهمها في نظري :
- المفارقة بين صورة المرأة كما يقدمها الإعلام و صورتها في الواقع
- العمل الصحفي بين سلطتي " الأدب و الذهب " أي بين ما تتطلبه أخلاقيات المهنة وبين ما تروم نفس الصحفي أو الإعلامي تحقييقه ( النجاح- الشهرة...)
استحسنت أيضا ذاك التغيير المتكرر لاسم مقدمة البرنامج بل لعله من أهم أوجه الطرافة في هذه الاقصوصة
لم يبق لي في ختام هذا التعليق إلاّ أن أتمنى لك مزيدا من النجاح و التوفيق و لقرّائك مزيدا من المتعة .

Unknown said...

أذكر تلكم الايام الجميلة،
شكرا يا أستاذتي الغالية، و ما شهادتك إلا شرف لي، و دعوة لأكتب الأفضل دوما...

أنا كاتب ملول بطبعي، أحب أن أغير الأشياء و أبحث عن الطرافة أينما حلت..

كثيرون تساءلوا عن تغيير اسم الصحفية المتكرر، و أعتقد أن تساؤلهم الذي رافقهم طوال القراءة، كان غايتي الأولى..
:)

لا يمكن أن أضيف الكثير لقراءتك، فهي تؤكد لي أنك بالفعل أستاذة في قراءة النصوص و كتّابها! ربما لا يمكنني تبين ذلك من موقعي كتلميذ، و لكنني أرى ذلك بسهولة من موقعي ككاتب! و لا تحسبي رأيي هذا من قبيل المجاملة ! :)

سأكتب مادمت قارئتي يا أستاذتي.

hana Zaibi said...

c'est la première fois que j'ai lu une histoire arabe jusqu'à la fin sa me fait un grand plaisir de connaitre un écrivains comme toi Iori.

Anonymous said...

قصة رائعة "خفيفة" و ممتعة ، كانت لك القدرة على اكساء موضوع ممل قديم-حسب رأيي- حلة بهية محببة تجذب القارئ لأكمال القصة للآخر حرف... كما أني لا أنكر إعجابي بمقاطع معينة مما جعلني أستمتع بقرائتها أكثر من مرة.
رؤية واضحة دقيقة و موضوعية ،انتقال متوازن بين الشخصيات ، كذلك الأمر بالنسبة للأحداث... أعتقد أنك أصبت الهدف(:
بوركت.

Unknown said...

شكرا يا غير المعرّف :)

أحمد يحي said...

صديقي العزيز حنبعل..

لا شك ان القصة كانت طويلة لكن هذا لا يعيبها بالتاكيد..

طالما انك لا تطول لمجرد التطويل وطالما ان الحوار ليس مستهلكا فليس للطول اهمية تذكر..

على حد رايي..

القصة متماسكة وحبكتها جميلة..

بالنسبة لتعدد الاسماء للصحفية النشيطة شئ اعجبني فعلا للدلالة على ان من هذه النوعية الكثير.. ان الاسماء لا تهم طالما ان المبادئ_الفاشلة في حد رايي_ واحدة..

الحوار متماسك جدا..

القصة تصف مشاعر الجنسين على الوجه العام..

ففي البداية تعمقت في مشاعر الصحفية والمصور بصورة جميلة حتى انني تقمصت كل دور على حدى..

كثير جدا من التشابيه الرائعة التي اعجبتني مثل:((( أنّ كل ذرّة غضب تسبح بين قلب المصوّر و روحه، هي قناطير من السعادة تسري في شرايينها، هكذا هي دوما كيمياء البشر)))

ومقاطع اخرى خلابة..

وكما اخبرتك فقد اعجبني المقطع الاخير الذي يعبر عن المتناقضات
(((قال فتحي:" أهذا وقت مبادئ؟"
"أرفض أن أدفع مالا من أجل حوار صحفي!"
"و لا ترفضين فبركة الحوار."
"لن تفهم الأمر أبدا!")))

المقطع يوضح متناقضة ظاهرة وهي فبركة الحوار والمتناقضة الخفية وهي ان الصحفية قد اتفقت سلفا مع المرأة على اعطائها اجرها وعندما تغدر بها بهذا الشكل فهي خالية من المبادئ على حد رايي..

الاسلام عدل بين المرأة والرجل لكنه ابدا لم يساو بينهما..

انا واحد من الذين يحترمون النساء ووراء نجاح كل عظيم امرأة هي مقولة صحيحة بنسبة 70% عندي..

لكن ليس بهذا الشكل الذي يجعل المرأة متحررة ربما اكثر من الرجل..

حنبعل.. استمر يا عزيزي..

Unknown said...

شكرا يا يحيى :)
أخيرا احد شلة المنتدى تكبد عناء القراءة و علّق D:
شكرا يا يحيى، و بانتظار تعليقاتك القادمة D:
و نقدك ايضا ;)

sabrine said...

j'avoue que j'étais un peu déçue que l'interview finissait ainsi en plus il a fallu que je
relise la nouvelle pour m'assure que je ne me suis pas trompée dans l'attribution des nom c'est malin de votre part
mais لا ادري إن كان ذلك من محض الصدفة أو مدروسا تلك أسماء التي نسبت الى الصحافية : لمياء ميساء سناء حسناء ... جميعها على وزن نساء
signalant que le nom du

chauffeur lui aussi n'était pas attribuer au hasard
finalement je vous félicite car vous m'avez vraiment attirez pendant la lecture et je me disais en lisant quel doit être le vrai nom de la journaliste
je vous félicite aussi parce que vous venez à travers cette brève nouvelle de toucher un sujet tabou c'est celui du travail de la femme est -il un veux ou un besoin qui peut être même une obligation

je vous souhaite en finale tout le succès que vous méritez en vous demandant encore plus
w rabbi ibarek fik :)

Unknown said...

شكرا يا صابرين على تعليقك اللذيذ XD
أجل هي محاولة (ناجحة على ما يبدو) لاثارة فضول القارئ و دفعه للبحث عن سبب غير موجود أصلا XD
ربما اختيار الاسماء فيه شيء من البحث عن ايهام بالرقة و النعومة.. نعومة الافعى ربما..
شكرا على اطلالتك
بانتظار القادمة!

ramy said...

7loua barcha ya3tek essa7a 5allitni nestena el fain .
w el a7la 2 fammes koll we7da fi niveau.
نضرة جميلة جده لعالم ..........(الصحافة) هل متعمدة ام لا

rasha said...

السلام عليكم والرحمة ..

جد رااائعة .. مثلما تعودت منك .. رسائلك واصله بأسلوب مذهل .. حبيت أنك بتحكي بلسان حال كل الشخصيات .. بتحكي واقع المرأة الى الرجل والرجل إلى المرأة .. مشهد صاخب وغاضب وكأنها صور حقيقة أمام عيني ......
دوماااا شكرا جزيلا على الطرح القيم وبارك الله فيك

:)

Unknown said...

شكرا رشا، أرجو أن لا يكون تغير اسم الصحفية قد أربكك

rasha said...

العفو .. في الحقيقة اربكني في اول تغير .. ظنيت أنهم اثنتين بعدها استوعبت أنها هي امرأة واحدة ومع تغير اسمها بجد ضحكت وما عرفت السبب وراء التغير يمكن من كثر تعصيبها خربطت القارئ في اسمها :)))

ilef said...

J'ignores comme d''habitide si ce que je perçois dans ce que tu écris est vraiment ce que tu voulais dire ou c'est tout simplement ce que je voulais moi "lectrice" voir. Avant d'écrire ce commentaire j'ai pris le temps de lire ceux qui le précédaient je cherchais d'autres regard que le mien ...
je ne vais certes pas m'attarder sur les commentaires qui ne refletent apres tout que le regard de ceux qui le portent, mais j'avoues ne pas avoir le meme angle de vision;
j'ai apprécié la lecture de ta nouvelle comme d'habititude mais je n'ai pas apprécié ton jeu "celui de donner différents prénom à cette journaliste" et je crois que c'est tout simplement que la journaliste que j'ai rencontré dans ta nouvelle n'est certes pas celle que tu as décrit.
je sens que je m'égare, je vais essayer d'etre breve.
J'ai aprécié dans ta nouvelle les couleurs de notre tunisie, la une fervente féministe qui veut à tout prix défendre la situation de la femme et crier tout haut que la femme est capable que la femme peu et que la femme fait journaliet que la femme reussit... Et ceci est son plein droit c'est une femme dans une société orientale, une femme qui se fait violé chaque jour non physiquement mais avec les mots les regards qu'elle subit, une femme qui manipule qui use de tout les moyens qui s'offrent à elle meme le mensonge pour arriver à faire entendre sa voix, car hélas on reste sans voix,la conductrice, pour moi cette femme dépourvu et au meme temps débordante de féminété n'est que le reflet pour moi de la réalité de notre société, la nécessité, la pauvereté, la violence d'un futur incertain
teet voilà dans ta nouvelle, se fait la rencontre entre le reve l'aspiration à un meilleur et la réalisté cru et pourtant si simple et si évidente
je ne partage peutetre pas les avis des autres lecteurs et je ne vois peutetre que ce que je voulais voir ceci est le fruit de la rencontre entre mon regard, mas ensibilitée et ton oeuvre
merci pr la nouvelle j'aime te lire e

manhel said...

je vois que comme moi chaque lecteur a perçu quelque chose de nouveau dans ta nouvelle et l'a comprise à sa façon et ça est certainement dû à sa richesse sémantique et linguistique. Pour ne pas reprendre ce que d'autres ont écrit avant moi je vois ici une dénonciation d'un féminisme véhiculé par les médias et par certaines qui se réclament féministes et cette journaliste me rappelle étrangement leila ben ali qui a fait du féminisme un nom de marque pour dorer son image sans se préoccuper nullement des vraies conditions des femmes travailleuses. J’y vois aussi l’ampleur du gouffre qui sépare les gens en et ceux qui les représentent ce qui donne en fin de compte une représentation faussée et améliorée.
Quant au changement du nom de la journaliste j’avoue que tu nous as eu sur ce coup là et que c’est une brillante idée qui pousse le lecteur à chercher un sens et à passer du statut de lecteur passif à celui d’actif. (c’est ce qui s’est passé avec moi en tout cas) mais d’autre côté (un peu de critique mefiha bès) ca peut dérouter dès le début surtout que ni les personnages ni l’action ne sont clairs dans les premières lignes.

Translate