في سنةِ 1999 وقبيلَ وفاتِه بلحظاتٍ، ظهر شريط فيديو للمخرجِ الأمريكيِّ الكبير ستانلي كيوبرك يشرحُ فيه كيفَ زوّر عمليّةَ هبوطِ الإنسان على سطح القمر، وكيف حقّق سنة 1969 أكبر خدعةٍ سينمائية في التاريخ. ورغمَ ثبوت زيف شريط الاعتراف هذا وعدم نسبته إلى كيوبرك، فإنّه لم يسمح إلاّ بتغذية فكرةِ المؤامرةِ. لقد سبقَ فيلمُه أوديسا الفضاء 2001، رحلةَ أبولو11 بسنةٍ، وطويلا ما اعتُبرَ الفيلمُ تحضيرًا أو "بروفةً" لإنجاز الخدعة الكبرى. وساهمَ فيلمُ البريق The Shining سنة 1980 بتفاصيلهِ الغامضةِ في إثراءِ الأسطورةِ (راجع الشريط الوثائقيَّ : الغرفة 237)، فاقترنَتْ أشهرُ مغامرةٍ للإنسانِ عبر التّاريخِ بعالمِ السينما. أليس غريبًا أنّ هوليود لم تُخلّدها في أيَّ فيلمٍ بعد؟
تفطَّن المخرجُ الأمريكيُّ (الفرنسيُّ) داميان شازال Damien Chazelle لهذا الفراغِ فبدأ التّفكيرَ في المشروعِ من قبلِ العملِ على غنائيّتِه العبقريّةِ لالالاند La La Land سنة 2016. يجب الحديث قليلاً عن شازال ربّما لأنّ نظرية المؤلّف Auteur Theory تنطبق على أعماله بشكلٍ كبير. لقد أنجز وهو بعدُ في الثالثة والثلاثين ثلاثةَ أفلامٍ روائية طويلةٍ، آخرها لالالاند المتوّجُ بستّ جوائزِ أوسكار، وأحدُها رائعةُ ويبلاش Whiplash أحد أهمِّ أفلامِ العشريّةِ الأخيرةِ.
ترتبطُ كلّ أعمالِ شازال وثيقًا بالموسيقى، لذلك كان إعلانُ فيلمِه الجديدِ مباغتا، كأنّ الرَّجلَ سيغامر بالعملِ خارجَ نطاقِه، لكنّ العنوانَ يكذّبُنا.
الإنسانُ الأوَّلُ First Man هي الصّفةُ الّتي ارتبطتْ إلى الأبدِ بالأمريكيِّ نيلْ أرمسترونغ Neil Armstrong منذ أن وضعَ قدمَه على سطح القمرِ. وهو إنجازُه الّذي به يُعرَفُ ويُعرَّفُ. وبه يبشِّرُ بدراميَّةِ العلاقةِ بين الإنسانِ ومنجَزه: هلْ كانت رحلتُه إلى غياهبِ الفضاءِ ممتعةً وثيرةً؟ هل كان الوصولُ خاليا من التضحيات؟ وإن وجدتْ فهل كان الإنجازُ من مقامِها، جديرًا بها؟
عبر هذه الأسئلةِ نستعيدُ من جديدٍ أفلامَ شازال السّابقةِ وندرُك الجامعَ الحقيقيَّ بينها. إنّنا تقريبا أمام فكرةٍ واحدةٍ، تدعو إلى التوقّف للحظاتٍ أمام هاجسِ الإنجازِ والتّأمّل فيهِ وفي عواقبه وفي فداحةِ الثّمنِ الّذي قد يدفعه المرءُ من أجله. وهي فكرةٌ تناسبُ بديهيًّا فيلما عن أرمسترونغ.
الحقيقةُ أنّ فكرتنا عن السّفر إلى الفضاءِ الكونيِّ موبوءَةٌ بالآمال المعقودةِ على المستقبلِ، بصورة الرُّوادِ النّائمين في سكينةٍ داخلَ قوقعةٍ صُلبةٍ ووثيرةٍ حتّى الوصولِ إلى الهدفِ. إنّ رائدَ الفضاءِ شخصٌ محظوظٌ غالبا، ولو أنَّ أفلاما كثيرةً تمحورت حول الحوادثِ الفضائيةِ (رجلُ المرّيخ The Martian، جاذبية Gravity، أبولو13) فإنّها حوادثٌ لا تُلغي فكرةَ التّشريفِ، وفكرةَ الحُظوةِ اللامبرَّرةِ الّتي يحصلُ عليها الرّائدُ منذ البدايةِ. ثمَّ إنّ رحلةَ أبولّو 11 التّاريخيّةَ كانت خاليةً من الحوادثِ (أو هكذا يخيَّلُ إلينا)، إنّها رحلةٌ مظفَّرةٌ يمرحُ خلالَها الإنسان/الرّائدُ فوق سطح القمرِ بلا أيّةِ هواجس.
وفي هذا المستوى، يُحقِّقُ "الإنسانُ الأوّلُ" أولى انتصاراتِه. فإن التزمَ الفيلمُ بفكرةٍ تجاهَ الحدث التّاريخيِّ، فهي ولا شكَّ إعادة تشكيل صورة الرّائدِ وصورة الرِّحلةِ الفضائيّةِ. في سنة 1962 لم يطرحْ بعدُ على نيل أرمسترونغ فكرةُ السفرِ إلى القمر. وحتّى سنة 1968 أي قبل سنة من الرحلةِ، لم يكن هو الخيارَ الأوّلَ للمغامرةِ. وكان عليه قبل أن يقودَ أبولو 11، أن يجتهدَ كثيرا، ويعانيَ طويلا، ويؤجّل موته مرارا. لا تسئ فهمي، فلسنا إزاء فيلمٍ عن المثابرة حتّى النّجاحِ. ولا يوجدُ أيُّ مشهدٍ احتفاليٍّ ملحميٍّ في نهايتِه. لقد كانت عذاباتُ رائد الفضاءِ فكرةً بعينها. صورةً أرادَ لها شازال أن تطفوَ وتكشفَ عن استحقاقٍ حرمت منه هذه الفئةُ طويلا.
لم تكنْ رحلةُ الإنسانِ إلى القمرِ مسلّيةً إلى الحدِّ الّذي قد نتخيّله. ولم تقدر عقولُ المهندسين والفيزيائيين أن تؤمّنَ كلَّ شيءٍ. لقد كان الموتُ مترصّدا بشكلٍ مدهشٍ. مختبئا بين أكمات الأخطاءِ الرّياضيّةِ البسيطة جدا، وخلف كلِّ غفلةٍ عن عاملٍ من عواملِ الطبيعةِ اللاّنهائيّةِ. حين التحقَ نيل بمشروع جيميني Gemini، فقد زميلهُ إليوت سي Elliot See الحياةَ رفقة آخرينَ في تدريبات جويّةٍ سنة 1966. ثمّ كانت كارثة أبولو 1 سنة 1967 إذ احترق ثلاثةٌ من خيرةِ الرّوادِ في قُمرةِ القيادةِ قبل الانطلاق. وكان من بينهم إد وايت Ed White جارُ نيل وأقربُ الزملاء إليه.
ترتبطُ كلّ أعمالِ شازال وثيقًا بالموسيقى، لذلك كان إعلانُ فيلمِه الجديدِ مباغتا، كأنّ الرَّجلَ سيغامر بالعملِ خارجَ نطاقِه، لكنّ العنوانَ يكذّبُنا.
الإنسانُ الأوَّلُ First Man هي الصّفةُ الّتي ارتبطتْ إلى الأبدِ بالأمريكيِّ نيلْ أرمسترونغ Neil Armstrong منذ أن وضعَ قدمَه على سطح القمرِ. وهو إنجازُه الّذي به يُعرَفُ ويُعرَّفُ. وبه يبشِّرُ بدراميَّةِ العلاقةِ بين الإنسانِ ومنجَزه: هلْ كانت رحلتُه إلى غياهبِ الفضاءِ ممتعةً وثيرةً؟ هل كان الوصولُ خاليا من التضحيات؟ وإن وجدتْ فهل كان الإنجازُ من مقامِها، جديرًا بها؟
عبر هذه الأسئلةِ نستعيدُ من جديدٍ أفلامَ شازال السّابقةِ وندرُك الجامعَ الحقيقيَّ بينها. إنّنا تقريبا أمام فكرةٍ واحدةٍ، تدعو إلى التوقّف للحظاتٍ أمام هاجسِ الإنجازِ والتّأمّل فيهِ وفي عواقبه وفي فداحةِ الثّمنِ الّذي قد يدفعه المرءُ من أجله. وهي فكرةٌ تناسبُ بديهيًّا فيلما عن أرمسترونغ.
الحقيقةُ أنّ فكرتنا عن السّفر إلى الفضاءِ الكونيِّ موبوءَةٌ بالآمال المعقودةِ على المستقبلِ، بصورة الرُّوادِ النّائمين في سكينةٍ داخلَ قوقعةٍ صُلبةٍ ووثيرةٍ حتّى الوصولِ إلى الهدفِ. إنّ رائدَ الفضاءِ شخصٌ محظوظٌ غالبا، ولو أنَّ أفلاما كثيرةً تمحورت حول الحوادثِ الفضائيةِ (رجلُ المرّيخ The Martian، جاذبية Gravity، أبولو13) فإنّها حوادثٌ لا تُلغي فكرةَ التّشريفِ، وفكرةَ الحُظوةِ اللامبرَّرةِ الّتي يحصلُ عليها الرّائدُ منذ البدايةِ. ثمَّ إنّ رحلةَ أبولّو 11 التّاريخيّةَ كانت خاليةً من الحوادثِ (أو هكذا يخيَّلُ إلينا)، إنّها رحلةٌ مظفَّرةٌ يمرحُ خلالَها الإنسان/الرّائدُ فوق سطح القمرِ بلا أيّةِ هواجس.
وفي هذا المستوى، يُحقِّقُ "الإنسانُ الأوّلُ" أولى انتصاراتِه. فإن التزمَ الفيلمُ بفكرةٍ تجاهَ الحدث التّاريخيِّ، فهي ولا شكَّ إعادة تشكيل صورة الرّائدِ وصورة الرِّحلةِ الفضائيّةِ. في سنة 1962 لم يطرحْ بعدُ على نيل أرمسترونغ فكرةُ السفرِ إلى القمر. وحتّى سنة 1968 أي قبل سنة من الرحلةِ، لم يكن هو الخيارَ الأوّلَ للمغامرةِ. وكان عليه قبل أن يقودَ أبولو 11، أن يجتهدَ كثيرا، ويعانيَ طويلا، ويؤجّل موته مرارا. لا تسئ فهمي، فلسنا إزاء فيلمٍ عن المثابرة حتّى النّجاحِ. ولا يوجدُ أيُّ مشهدٍ احتفاليٍّ ملحميٍّ في نهايتِه. لقد كانت عذاباتُ رائد الفضاءِ فكرةً بعينها. صورةً أرادَ لها شازال أن تطفوَ وتكشفَ عن استحقاقٍ حرمت منه هذه الفئةُ طويلا.
لم تكنْ رحلةُ الإنسانِ إلى القمرِ مسلّيةً إلى الحدِّ الّذي قد نتخيّله. ولم تقدر عقولُ المهندسين والفيزيائيين أن تؤمّنَ كلَّ شيءٍ. لقد كان الموتُ مترصّدا بشكلٍ مدهشٍ. مختبئا بين أكمات الأخطاءِ الرّياضيّةِ البسيطة جدا، وخلف كلِّ غفلةٍ عن عاملٍ من عواملِ الطبيعةِ اللاّنهائيّةِ. حين التحقَ نيل بمشروع جيميني Gemini، فقد زميلهُ إليوت سي Elliot See الحياةَ رفقة آخرينَ في تدريبات جويّةٍ سنة 1966. ثمّ كانت كارثة أبولو 1 سنة 1967 إذ احترق ثلاثةٌ من خيرةِ الرّوادِ في قُمرةِ القيادةِ قبل الانطلاق. وكان من بينهم إد وايت Ed White جارُ نيل وأقربُ الزملاء إليه.
لم يقتصد شازال كثيرا في تصوير حضور الموتِ، فصوّرَ مشهد الاحتراق من خارج القمرة بطريقة مستفزّةٍ موجعةٍ. وتابعَ لحظاتٍ نجا فيها نيل بأعجوبةٍ خلال عمليّاتٍ تدريبيّةٍ أو مهامّ رسميّةٍ. اِنفجارات، جروح، حوادث، غيبوبة في الفضاء، وخروج عن سكّةِ الجاذبية. تنويعٌ يذكّرنا قليلا بأطباقِ الموتِ التّي قدّمها فيلم دنكرك منذ سنتين. هاهو يستنبطُ له وصفة جديدةً: فخلفَ السّكون الّذي قد توحي به صورةُ قُمرةِ القيادةِ، تتعالى ملحمةٌ صوتيّةٌ معدنيّةٌ رهيبةٌ تعكسُ هشاشةَ السُّفنِ الفضائيّةِ. وفي مشهدِ الافتتاحِ، كانت المركبةُ تعوي عواءً مخيفا، أشبه باستغاثات البشر، ونرى احمرار مقدّمتها وهي تجاهد لاختراق الغلاف الجويّ. وفي مشهدٍ آخر، يخيَّلُ إلينا سماعُ تطايرِ البراغي. هندسةٌ صوتيّةٌ تحبسُ الأنفاسَ، تبلّغُنا أنّ روّاد الفضاء الأوائلِ، كانوا يسافرون في علب سردين تقريبا، وكان الموتُ أقربَ إليهم من حبلِ الوريدِ.
جُعلت فكرةُ الموت محوريّةً في الفيلم. فلم تقتصر على عملِ أرمسترونغ في وكالة الفضاء، بل تواصلت في منزله. لقد كان شازال بحاجةٍ إلى بهاراتٍ دراميّةٍ وقد وجدها في وفاةِ كَارِنْ أرمسترونغ Karen، فحوّلَ عبرها اﻹنجاز العظيمَ إلى محنةٍ لازمت الرّائد طيلةَ ستّ سنين. وبدا كأنّه في رُنوّه للسماءِ يبحثُ عن ابنته، ويرغب أن يلتقيها مرّةً أخرى. لقد ساهم هذا الخيارُ في جعلِ انطوائيّتِه الّتي عُرفَ بها طبيعيّةً. ولا شكَّ أنّ اختيارَ ممثِّلٍ يجيدُ التعبيرَ الضّمنيَّ عن الحزنِ والغضبِ مثلَ ريان غوسلينغ Ryan Gosling لم يكنْ عشوائيّا. في المقابلِ، أدّت كلير فوي Claire Foy دورًا أكثر انفعاليّةً عبر شخصية جانِتْ أرمسترونغ Janet Armstrong. ونتيجةُ ذلك، دراما عائليّةٌ جيّدةٌ، تُوّجت بمشهدِ الوداعِ الّذي سيظلُّ محفورا في الأذهانِ.
هل بالغ شازال في استعمالِ موت كارن Karen لأغراضه الدّرامية؟ لا أظنّ ذلك، ولكنّنا نلمسُ تهافتا من أجل إفرازِ المعنى من سيرةِ البطلِ. ربّما كان موت البُنيّةِ مؤثّرا، وربّما كان حضورُ الموتِ في حياتِه طاغيا، لكن يصعبُ أن يمثِّل ذلك دافعا كافيا لرحلته. إنّ أرمسترونغ مجبولٌ على المضيِّ قدما، مع حضور الحوافزِ التاريخية والسياسيّة والمادية وغيرها. لقد كان أشبهَ بجنديٍّ في معركةٍ محمومةٍ لغزوِ الفضاءِ. بل إنّ هذا أبعدُ ما يكون عن المجازِ، وأبعدُ ما يكون عن العفويّةِ. فقد كانت أخبارُ الضحايا تأتي كأخبارِ الوفيّاتِ من الجنودِ، وكان التحضير للتأبين يحدثُ بذات السّياسةِ. ذلك ما خفيَ عن أعيننا وراءَ خطوات الإنسانِ المختالةِ على سطحِ القمرِ، وذلك ما حاول شازال أن يبرزَه.
يبقى "الإنسانُ الأولُ" مع ذلك فيلمًا عن الفضاءِ. لؤلؤة في عقدِ أفلامِ الميزانيّاتِ الضّخمةِ الّتي جادتْ بها هوليود عن غزو النجوم. لقد كان الفضاءُ في ما مضى حصرا على صنف الخيالِ العلميِّ، ولذلك يصنَّفُ فيلمٌ عجائبيٌّ (Fantastic) مثل حرب النجوم Star Wars على أنّه خيالٌ علميٌّ. وللسّبب نفسه وقفَ الكثيرُ حائرين بشأنِ تصنيفِ فيلمِ "جاذبية" Gravity. لكنّ "الإنسان الأوّل" يكسرُ بشكلٍ قاطعٍ احتكار الخيالِ العلميِّ على الفضاءِ الكونيِّ الشاسع، إذ يمنحُه إلى نقيضه : السينما التّاريخيّةِ.
تكشفُ مشاهدُ الفيلمِ عن إحاطةٍ مدهشةٍ بتفاصيلِ الحقبةِ الزمنيةِ. رائحةُ السّتيناتِ في الملابسِ، وأثاثِ المنزلِ، والتقنياتِ والموسيقى، والأحداثِ طبعا. وجرى تدقيقٌ تاريخيٌّ صارمٌ في أبسطِ آلات التدريبِ ومركباتِ الفضاءِ الأسطوريّةِ المشاركةِ في الرحلةِ. طبعا لا دخلَ لي في تأكيدِ هذه الدّقّةِ، فهناكَ مختصّون وخبراءٌ قد شهدوا به.
وعلاوةً على الدِّقّة، فقد اعتمدَ شازال على أموال يونفرسال Universal الطّائلةِ ليقدّمَ لنا صورةً مدهشةً للقمر. في مشهدٍ عظيمٍ ساحرٍ تتماهى عيون المتفرجين بعينيْ الإنسانِ الأوّلِ وهو يديرهُما على المكانِ المظلمِ المنير في آن. صخورٌ ملءَ الأفقِ، وصمتٌ تضيعُ فيه الجاذبيةُ، وعناقٌ بين الضّوء والعتمةِ، وتناقضٌ حادٌّ فاتنٌ كأفلامِ الجريمة السوداءِ Noir ولقطةٌ في ثلاثمائةٍ وستينَ درجةً تؤكّدُ على محدوديَّة تأثيرِ الكمبيوتر في هذا التنصيبِ التشكيليِّ المذهلِ.
تقنيّا، فقد تخلّى المخرجُ عن الصور المصمّمة بالكمبيوتر CGI واعتمد على الطّرق الهوليوديّةِ الكلاسيكيّةِ البديعةِ. فاستعملَ مركبات فعليّة محاطةٍ بشاشات عملاقةٍ تعكسُ الخلفيّةَ المطلوبة. فكان الممثِّلُ أثناءَ التصوير قادرًا على تأمُّل سطحِ القمرِ، دون حاجة إلى تخيّله. وهو عملٌ معقّدٌ أضفى على المشهدِ أصالةً عظيمة.
أمّا أسلوبيّا، فقد طغت لقطة القُمرة الذّاتيّة Point of View shot على أغلب مشاهدِ الحركة، ليعيش المشاهدُ لحظات الاقترابِ من الموتِ كما لو كان رائدَ فضاءٍ. وهذا ليس تشبيها بلاغيّا، فأغلب الظنِّ أنّ الفيلمَ معدٌّ خصّيصا لتقنية الواقع الافتراضيِّ Virtual Reality ولن ننتظر طويلا قبل أن نجد عروضا بهذا الشّكل. وعلى كلّ حالٍ فـ"الإنسان الأول" تجربةٌ بصريّةٌ يستحسنُ أن تتمَّ في أفضل الظروف، أمام شاشة IMAX لمن استطاع إليها سبيلا.
أعتقد أنّ شازال لم يُفلحْ كثيرا على المستوى الأدبيِّ، فالعملُ تكلّف النّبشَ في فكرةِ الموتِ، وعلاقتها بدفعِ الإنسانِ إلى القمّةِ، ولم يبلغ الأصالةَ إلاّ في تغييرِ فكرتِنا عن رائدِ الفضاءِ وطبيعةِ عملهِ. وعلى المستوى الدّراميِّ لستُ أشاطرُ انتقاد الكثيرين لغوسلنغ على فتورِ ملامِحه وعجزه عن تبليغِ انفعالاته، فالرَّجلُ في صمته كان قادرا على تبليغ أعقدها، وقد أثبت ذلك في أكثر من مشهدٍ. أما على المستوى التقنيِّ، فالفيلمُ تحفةٌ حقيقيّةٌ سيتردّد إسمه طويلا في ترشيحات الأوسكار لهذا الموسم.
الفيلم : الإنسانُ الأوّلُ First Man
المخرج : داميان شازال Damien Chazelle
الصنف : سيرة، تاريخ، حركة، فضاء
المدّة : 141 دقيقة
السنة : 2018
النجوم: ريان غوسلنغ Ryan Gosling، كلير فوي Claire Foy