Thursday, October 23, 2014

حيرة ناخب

أنظر إلى الساعة، تشير إلى يومين قبل الانتخابات، تذكرتُ أنني لا أعرفُ شيئا، أو أنني أعرف أكثر ممّا ينبغي، لماذا عليّ أن أنتخب أصلا؟ اللحظة تقترب، أنا لا أعرف شيئا، بل ربما أعرف أكثر ممّا ينبغي، أحزاب صغيرة، وجوه واعدة، الكتل الحزبية الكثيرة تشبه فقاقيه الصابون، و الخوف ممّا سيحدث مستقبلا، الكل يقرّر لنا، ماذا تخبئُ لنا أمريكا؟ هل أنا موبوء بمرض المؤامرات؟ ماذا عند صندوق النقد؟ و الإملاءات التي تزداد اجحاف كلما أضفتَ قرضا؟ من يطلب القروض؟ ماذا نريد؟ هل يجب أن ننتخب؟ على أساس سأنتخب؟ قائمات، أحزاب، رؤوس أموال، إيديولوجيات، قوى خارجية، رؤوس قائمات، تحالفات خفية و معلنة، 18 اكتوبر، 9 جانفي، 23 أكتوبر، هذه بلاد تقرر مصيرها في أول الخريف أو في أول الشتاء. يومان، كيف سأفكر؟ سأحاول أن أفكر..

1 ـ في أن المقاطعة ليست أفضل من الإنتخاب
أعتقد أنه يمكن حصر أسباب المقاطعة، فأوّلها عطن رائحة الطبقة السياسية كلها. الكثير من التونسيون باتوا يشمئزّون من السياسة، من كل ماهو سياسيّ، و ذلك بالنظر إلى رداءة المشهد السياسيّ عموما. حسن، الكلّ رديء فعلا، الكلّ منشغل في الصراع لأن أغلب السياسيين أمضوا حياتهم في الصراع ضد الأنظمة السابقة، هم أناس تعودوا على أن العمل السياسيّ هو صراع قبل كل شيء، و لعلّهم أناس جبلوا أصلا على الصراع و لا يجيدون البناء. الكلّ رديء لكنّ الرداءة أنواع، هذه الإنتخابات تخيّرك بأي الرداءة ستقبل، هل ستقبل بمنوال اقتصاديّ رديء؟ أم بتعامل رديء مع الحريات العامة؟ هل ستقبل برداءة المناخ الاجتماعيّ و اشتداد التفاوت بين الطبقات؟ أم ستقبل بوضاعة الحالة الأمنية و العيش في خوف دائم؟ في هذه أجدُني مضطرّا للاختيار، و هو اختيار أرحم قليلا من اختيار المدان طريقةَ موته، لو كنتَ مدانا، أسيان عندك الموتُ الرحيم و الموتُ حرقا؟
ثاني الأسباب هو عدم الدراية، أنا أيضا عزفتُ عن متابعة السياسيين منذ فترة، لا يمكنني معرفة كلّ كبيرة و صغيرة عن كل شخص و حزب، و لكن لو فكّرنا بمنطق اقصائيّ، فهناك الكثير من المرشّحين ممّن لا يحتجون إلى علم و دراية لاقصائهم. لا أحبّ أن أذكر أسماءً هنا، و لكن من ذا الذي يقبل بانتخاب شخص لا يكاد يجيد التعبير عن أفكاره؟ من ذا الذي يقبل بانتخاب شخص يعدكم ببيع الخبز بنصف ثمنه؟ هذه مسائل لا تحتاج إلى دراية كبيرة، و حينما تقصي الذي يستحيل أن تنتخبهم، ستبقى أمامك سبعة قائمات على الأكثر مهما كان توجهّك الفكريّ.
ثالث الأسباب هو أن النتيجة معروفة مسبقا، و أن هناك قوتان ستقتسمان الكعكة بفضل اتفاق قوى خارجية إلى غير ذلك، و أعتقد أن هذه أوهن الأسباب، فالغالب على الظنّ أن التزييف لن يحصل (إلا بمقدار ما سيحدث من انتهاكات معزولة هنا و هناك) و أن الدعم إن وجد (و أنا أؤمن بوجوده) فقد وجد قبل يوم الأحد، أموال، طرق عمل و مناهج لكسب الرأي العام، إعلام، حروب نفسية، تجييش المشاعر، الخ الخ.. ترسخت بالفعل فكرة أن الانتخابات بين شقين كبيرين و هل أنت معنا أم علينا التي هي ليست غريبة عن الذهنية التونسية، باتت الشعار الأكثر تداولا في صدور الناس. فهل المقاطعة هي من سيغير هذه المعادلة؟ أم المشاركة و انتخاب شق ثالث يفسد هذه المعادلة؟ أعتقد أن الأمر واضح.
السبب الرابع الذي عاينته، هو رفض المشاركة في المهزلة القادمة. في الواقع، المهزلة حاصلة شاركتَ أم لم تشارك، الفرق هنا، أن مشاركتك قد تعني تقليص حجم المهزلة، أما عدم مشاركتك فلن يعنيَ أنك لم تكون مسؤولا عنها. ثمّ ألا ترى من الأنانية أن تتجنب المشاركة فقط لتشعر أنك "على حق" ؟ أنك البطل الذي من حقّه أن ينتقد نتائج الانتخابات لأنه لم يكن موافقا عليها منذ البداية؟
يجب أن نفهم شيئا هنا، هذه الانتخابات، لن تكون الوحيدة التي ستحصل بهذا الشكل، كل ما سيأتي بعدها، انتخابات بالطريقة نفسها، و بالدستور نفسه، و بالقوى السياسية نفسها (تقريبا) و لو لم تشارك اليوم لهذه الأسباب، فأنت لن تشارك في غيرها لنفس الأسباب، و هذا يعني أنك ترفض هذه المحاولة الديمقراطية من أساسها. الانسان لا يولد كهلا.
سأفترض أيضا أن الجميع قرر المقاطعة، ماذا سيحصل حينئذ؟ تعاد الانتخابات؟ كيف تعاد؟ لماذا؟ كيف سيغير القانون الانتخابي؟ متى؟ ما وضعية المجلس التأسيسي الذي يفترض أن ينتهي بنهاية هذا الشهر؟ ما وضعية الدستور و ما شرعيته؟ من سيمسك البلاد و من يملك أصلا الشرعية لمسك البلاد حينئذ؟ حرب؟ سلاح؟ ليبيا؟ هل المقاطعة حقا أفضل من الانتخاب؟
تريد أن تعلن رفضك؟ تريد أن تظهر غضبك؟ ماذا عن الورقة البيضاء مثلا؟

2 ـ في طبيعة الانتخابات
أتحدث طبعا عن التشريعية، لأنها الأكثر تعقيدا. بالنسبة للانتخابات الرئيسية فهي تبدو سهلة، و مهما فعلت لتقنع الناس، فالمسألة لن تحيد عن فكرة : من هو (هي) الأفضل، من هو(هي) الأكثر مروءة (رجلة) لا غير. أما الانتخابات التشريعية، فنحن نتحدث عن قوائم انتخابية و قوائم مستقلة، و رؤوس أعمال، و أحزاب كثيرة كثيرة. كيف يكون الاختيار وسط هذه الفوضى؟ ربما وجب التأكد أولا من طبيعة الانتخابات.
الانتخابات التشريعية اليوم، تأتي لإنهاء المرحلة الانتقالية الثانية. الدستور موجود اليوم، و المسألة السياسية شبه محسومة، الحديث عن السياسة سيتقلّص شيئا فشيئا، خصوصا مع الحاجة الملحة للتونسيين، للانتقال بالخطاب إلى جوانب أخرى مهمة. مسائل مهمّة كثيرة في المرحلة السياسية لم تأخذ حقّها، مثل الهوية، و الحريات العامة، و حقوق الإنسان، و حتى العدالة الانتقالية غابت تماما عن المرحلة التي يفترض أن تهتم بها أساسا، لكنّ هذا اليوم لم يعد أولوية.
مهمة المجلس التشريعيّ القادم تتعلق بأمرين : تكوين حكومة مهمتها الرئيسية إطعامنا من جوع و تأميننا من الخوف، فنحن لا نزال نطلب هذين العنصرين البدائيين. و الأمر الثاني هو تشريع القوانين الإصلاحية طوال السنوات الخمس القادمة. إعادة هيكلة البلاد تقريبا.
أنت أيها الناخب، ستختار من يقرّر عنك هذين المسألين. ستختار من يصنع حكومة تركز على الأمن و الاقتصاد، و تختار من يكتب القوانين الاصلاحية الملائمة للبلاد.

شاءت الأحزاب و المجلس التأسيسي و خبراء الانتخابات و أصحاب السوابق و الخبرات، و السادة العظام أن يعتمدوا نظام انتخابات القوائم، مع احتساب أفضل البواقي بالنسبة للقوائم الخمسة الأولى. لا، لن نناقش النظام و مساوئه لأنه من الماضي، و لأننا لن نغيره قبل اربعة أيام من الانتخابات، لكن ربما علينا أن نفهم ماذا يعنيه هذا النظام، و ماذا يترتب عنه.
نظام القوائم يعني أن النتائج ستسيطر عليها الأحزاب، فالمستقلون لا يمكن أن يواجهوا الآلة الحزبية الضخمة. كم من مستقل وجد له مقعدا في المجلس التأسيسي ؟ نفر قليل، و أقلّ منهم أولئك الذين سينتخبهم الناس في هذه المرة. يصعب على المستقلين أيضا أن يقدموا مشاريع قوانين تستند إلى دراسات معمقة، ذلك أنهم لا يملكون الموارد البشرية الكافية لإعداد هذه الدراسات. المسألة دوما متعلقة بالموارد البشرية، العمل الجماعيّ أكثر نجاعة. ربما تجد من بين المستقلين صوتا نورانيا صادقا الخ الخ لكن هل النقاء وحده ينفع في مناقشة شروط القروض الدولية؟
نظام أكبر البواقي أيضا مهمّ، فهو يعطي شيئا من التفضيل لفكرة اقتسام المقعد بين عدد أكبر من القوائم، لكنّه ـ عكس انتخابات المجلس التأسيسي ـ عدد محدود أيضا، لأن المستفيد من أكبر البواقي في كل دائرة انتخابية لن يتجاوز الأحزاب الخمسة الاولى. لذلك، أعتقد أننا لن نجد أكثر من 10 أحزاب في المجلس التشريعي القائم، ربما خمسة من هذه الأحزاب لا يحصل مجموع مقاعدهم ال10% من العدد الجملي. لذلك نظام الانتخاب، يدعوك أن تفكر بالأحزاب العشرة الأكثر حضورا و شعبية (حتى لو كان أغلبها قذرا، اتفقنا على هذا) حتى لا يذهب صوتك سدى.

أخيرا، و هذا الأهم، فالانتخابات أيضا تقوم على الدوائر الانتخابية و هي دوائر جهوية، لذلك فالمرشحون لا يمثلون في البرلمان أحزابهم فقط، بل أيضا جهاتهم. لذلك يجب التفكير في كل هذه العوامل قبل الاختيار. الحزب أم الشخص؟ الجهة أم الوطن؟ التصويت المفيد أم التصويت العاطفيّ؟ التصويت على أساس البرامج أم على أساس الإيديولوجيا؟ الأسئلة لا تزال كثيرة!

3 ـ في التصويت للأحزاب أم للأشخاص
كما ذكرتُ سابقا، فإن العمل الفرديّ لا يمكنه أن يقدم أو يؤخر. شخص واحد لا يمكنه أن يقدم مشروع قانون متاكل ضافي الجودة. و شخص واحد لا يمكنه أن يضمن تمرير قانون بمفرده. العمل التشريعيّ ليس فرديا و لا يمكن أن يكون فرديا لذلك فالشخص الذي ستختاره سينضوي حتما تحت كتلة برلمانية لم تتكوّن قبل اختيارك و بذلك لن تعرف خياراتها و أفكارها و أهدافها. أما الحزب، فأنت تعرف مسبقا مبادئه و أفكاره و الشخص الذي ستنتخبه سيلتزم بتلك الأفكار و يمضي فيها خلال تصويته.
يلتزم؟ مهلا، هنا يجب أن نسترجع التجارب التي عرفناها في المجلس التأسيسي، العواصف الهوجاء التي تقتلع أعضاء الأحزاب و تلقي بهم في أحزاب أخرى. نواب كثر تسكعوا بين أحزاب كثيرة، و منهم من باع نفسه لمن يدفع أكثر، بعض الأحزاب لم تحصل على مقعد واحد، و لكنّها مع ذلك تضمّ أكثر من عضو في المجلس التأسيسي. هذه التجربة لا يجب أن تُنسى حينما نفكّر في الانتخاب. اختيار الحزب لا يجب أن يلغي قيمة من يمثّل ذلك الحزب. حينما تريد التصويت لحزب ما، فاُنظر أيضا إلى رئيس قائمته، أتراه يصلح أن يمثلك في المجلس؟ (أجل كلهم لا يصلحون، لكن أتراه أقلهم سوءا حقا؟) ما نسبة تأكدك من أنه لن يهجر الأفكار التي نادى بها حينما اخترته؟
النظر إلى رئيس القائمة مهمّ لسبب آخر، فالحزب الذي يعيّن رؤساء قوائمه، يفترض منه أن يقدّم أناسا من ذوي الكفاءة، أن يقدّم أفضل ما عنده من رصيد بشريّ لتلك الدائرة، و حينما تجد أن رئيس قائمة تلك الدائرة ليس مهمّا جدا داخل الحزب، فاعلم أن الحزب لا يركز كثيرا على دائرتك، ربما لا يرصد لها اهتماما تشريعيا في ما بعد، و ربما لا يملك عنها المعلومات الكافية ليهتم بها أصلا. بمعنى آخر، قيمة رئيسة القائمة داخل الحزب، تعكس جدّية هذا الحزب في دائرتك الانتخابية. لذلك فبالنسبة لي، الاختيار حزبيّ، و المعيار فرديّ.

4 - في التصويت للجهة أم للوطن
هناك من يختار الحزب الذي يقدم أفضل الخيارات الوطنية، و هناك من يحكم على الحزب الذي يقدم برنامجا جهويا واعدا. في الواقع المفارقة صعبة جدا هنا. أعتقد أن الخيارات الوطنية اليوم، محدودة بعض الشيء، الجميع يعرفها، و الجميع يتفق على عناوينها. أما التفاصيل فالواضح أنها غائبة عن خطابات الأحزاب. ناهيك أن انتخابات هذه المرحلة كما ذكرت، تتركز أساسا على التنمية الاقتصادية و توفير الاستقرار الأمني و السياسي. منوال التنمية الوطني لن يتغير على ما يبدو مهما كانت الجهة الحزبية الفائزة، لكن الاختلاف سيظهر في الجهات، في مشاريع الجهات و الأفكار المرصودة قبل الأموال. الوطن هو ما تكوّنه الجهات، لذلك فأنا أفضل نوابا يعرف كل منهم جهته فقط تمام المعرفة، على نواب يعرفون وطنهم معرفة عامة لا تغرق في التفاصيل. المسألة لن تكون صراع جهات أيضا، لأن الانتخابات سيكون بين أبناء الجهة الواحدة، من أفضل من يمثلها، من أفضل من يدافع عن المشاريع التي تليق بها؟ تلك هي المسألة.

5 - في التصويت المفيد
فكرة التصويت المفيد تحيلنا على حزب بعينه. و رغم أنني لا أحب الخوض في الأسماء حتى لا أؤثر على أحد، فإنّ هذه الفكرة تقترح منهجية للتصويت، لذلك لا يمكنني أن لا أفكر فيها و أنا أبحث عن حلّ لمن سأصوّت. ما جال ببالي أمران رئيسيان، و هنا سأفترض أنني شخص أريد أن أصوّت ضدّ حركة النهضة، سأتساءل مالفرق هنا بين أن يحصل حزب "ألف" على 30 مقعدا، و حزب "باء" على 20، و كلاهما خصمٌ للنهضة، و بين أن يحصل حزب "ألف" على 45 مقعدا و حزب "باء" على 5 مقاعد؟ الفرق في رأيي، أن الناخب سيخسر خصوصيات حزب "باء" التي هو فعلا مقتنع بها، في صالح الحزب "ألف" التي قد يتقاطع فيها مع حركة النهضة. بمعنى آخر، فتصويته كان مضرّا. الأمر الثاني يتعلق بالحسابات التي تثبت أن الأحزاب الكبيرة تستفيد أكثر من نظام أكبر البواقي. و أعتقد هنا أن المسألة لا تتعلق حقا بأكبر البواقي، فنظام القوائم يشجع على تعدد الاحزاب، و يقلص من هيمنة حزب واحد، و هنا يمكن أن نذكر أن الكثير من المقتنعين بحزب النهضة، صوّتوا للمؤتمر، ما جعله صاحب المرتبة الثانية في الانتخابات، بهذا المنطق، يمكن أن يفيد هؤلاء من وجود حزبين أو ثلاثة، مثلما يمكن أن يتضرروا من تشتت أصواتهم على أحزاب كثيرة. باختصار، التصويت المفيد ليس مفيدا لأن وجود حزب واحد، يشبه كثيرا وجود أحزاب كثيرة. بمعنى آخر، يمكن أن يكون التصويت مفيد، حينما يقتسم التصويت على حزبين أو ثلاثة.

6 - في التصويت على البرامج أم الإيديولوجيا
في هذه حسمتُ أمري منذ فترة، فالإيديولوجيا لا يمكن أن تناقش وسط التعصب، و نحن منذ ثلاث سنين، نعاني افراطا شديدا في التعصب و الشيطنة يجعل من الحوار أمرا مستحيلا، لذلك ألقيت بإيديولوجيتي جانبا و أنا أفكر فيمن سأصوت. سواء نجح الإخوان، أم اليساريون، أو التجمعيون أو حتى يسار الوسط، فالنمط الاقتصادي و الاجتماعي لا يمكن أن يتغيرا كثيرا في السنوات القادمة. مهما كانت الجهة الفائزة، فالنمط الاقتصادي سيظل شبه رأسماليّ، يعتمد على المؤسسات الصغرى و المتوسطة، و يعتمد على الاستثمار الاجنبي و السياحة، مع بعض الدعم للفئات المتوسطة، و المنوال المجتمعي، سيظل ذلك الذي اتفق عليه القوم في الدستور. حتما كل سيحاول الجذب قليلا إلى جهته، لكنّ هذه التفاصيل على أهميتها لن تكون بقدر قيمة أن يجد المرء أناسا قادرين على التنفيذ، قادرين على الانجاز. أنا مستعدّ لأن أختار من يحمل كل الايديولوجيات التي اكره، لو كان هذا الشخص يحمل من الأفكار و المهارة ما يمكنه أن يوفر للوطن استحقاقاته القادمة. و أن يعدّ البرامج التي تليق.

7 - في البحث عن المصطفى
و لا أتحدث هنا عن سيد الخلق صلى الله عليه و سلم، و إنما أتحدث عن الحزب / الشخص الذي سأسطفيه ليمثلني، عن القائمة المناسبة. إنني أعرف خياراتي، لكن كيف أعرف أي المرشحين أنسب لها؟
عليّ أن أكون بسيطا و مختصرا للطرق و المسافات، طريقة الاقصاء جيّدة جدا، حينما تقصي القوائم التي لا تصلح في حدّ ذاتها أن تمثّل في المجلس (بعيدا عن خياراتك) فلن تبقى لك إلا القوائم الممكنة، و سيكون عددها محدودا جدا. و كما قال دُويْل على لسان هولمز : لو استبعدنا المستحيلات، فستبقى الحقيقة مهما كانت غريبة. و أعتقد أنك ستجد نفسك في النهاية أمام شيء غريب فعلا.
أهمّ عنصر أعتمده في الإقصاء هو الجديّة، قائمة ليست جادة، لا تعنيني، يمكن أن تلمس الجدية في أشياء عديدة، بداية باسم القائمة (قائمة البؤساء)، مرورا بمعلّقة القائمة (صور رديئة، تصميم سوقيّ أو بدائي أو يفتقر للذوق). أحقا يمكن أن يحكم المرء على "تفاصيل ثانوية" كهذه؟ في الواقع هذه ليست تفاصيل ثانوية. إن تواصل القائمات مع المواطن يتمّ في الأساس عبر أداتين رئيسيّتين، الأولى هذه المعلقات و الثانية هي الدقائق الثلاث التي تقدم كل قائمة فيها نفسها على شاشة التلفاز. و لأن أصحاب القوائم يعرفون أن هذين الآليتين هما أهم ما يتاح لهم للتواصل، فهم يدركون قيمتهما و يدركون قيمة الإعداد الجيّد لهما. بمعنى آخر، غدا في مجلس نواب الشعب، سوف ينتقي نائبك كلماتك مثلما انتقى تصميم معلقته، و سوف يقترف في خطاباته لاقناع زملائه ما يقترف أمامك اليوم على شاشة التلفاز من أخطاء، و سوف يستنبط الأفكار و المشاريع بنفس الروح التي استنبط بها خطابه القصير، و سوف يتعامل مع خبراء في الاقتصاد و الاجتماع و غير ذلك، في قيمة الخبراء الذي استعملهم لاعداد معلقاته و نشرياته.. لذلك كلّه اُنظر جيّدا إلى المعلقات، و استمع جيدا إلى كلمة الدقائق الثلاث.

8 - في الوعود الانتخابية
الجميع يعد، ما يجعل من الوعود الانتخابية أمرا مضحكا، و تهريجا سخيفا. كيف يمكن الاستفادة مع ذلك من الوعود الانتخابية؟ الوعود أيضا تعكس جدّية المترشحين. حينما يعدك أحدهم بخبز بنصف ثمنه، فمكانه الأنسب مشفى المجانين لا مجلس الشعب. و حينما لا يتقدم أحدهم بوعود للجهة التي يترشح عنها، فهو شخص لا يملك أفكارا، حتى لو قدم لك جردا كاملا بكل مشاكل جهتك، فلا تهتم له. لأن النائب مطالب بايجاد حلول لا بجرد المشاكل [فقط]. أما عرض الحلول، فتكمن جديتها في منطقيتها أولا، و ثانيا و خصوصا، في تميزها عن الآخرين، في اقتراحه لما لم يقترحه الآخرون، فهو في ذلك يعكس بحثا ذاتيا جادا حول مشاكل منطقتك، عوض الاكتفاء بتقليد الآخرين و عرض نفس مقترحاتهم.

اختصارا، الطبقة السياسية سيئة، و من سننتخبهم اليوم، لن يمثلوا الحلّ، لكنّهم خطوة للأمام، لا نملك خيارا أفضل منها، فالأفضل أن نخفف من الأضرار و أن ننتخب عوض أن لا نفعل. يمكن ممارسة سياسة الاستبعاد، استبعاد المستحيل، لترك الممكن مهما بلغت مرارته. يمكن الاستفادة هنا من وضعية الاحزاب و اختيار الاحزاب الأكثر قوة لتبقى في السباق لو خفت من تفرق الأصوات، هذا ليس قط ترجمة لفكرة الانتخاب المفيد التي دعت إليها بعض الأحزاب. تخلّص من الإيديولوجيا و خمم في الركيزتين الأساسيتين اللتين تمثلان المرحلة القادمة : الأمن و الإقتصاد. ابحث عن الأطراف الأكثر جدّية في هذين المسألتين. كن جهويا هذه المرة، لأنك و ان انتخبت برامجا حزبية، فأنت أيضا تنتخب أناسا يمكن أن يتنقلوا بين الأحزاب، و أنت تنتخب برامج جهوية، فالمسألة الاقتصادية مسألة جهوية بالأساس. أنظر ممّن بقي في سباق خياراتك من هو الأكثر جدية عبر التطلع إلى مقترحاته و حلوله و عبر طريقة تقديمه لنفسه (معلقات، خطاب). غمّس اصبعك في الأزرق و لا تندم، فمهما كان اختيارك خاطئا، فقد كانت نيتك سليمة، و لسوف نتعلم يوما.



23 تِشرين 2014

Translate